اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عباس عبد جاسم: الأدب صائر الى زوال

عباس عبد جاسم: الأدب صائر الى زوال

نشر في: 18 مارس, 2024: 10:22 م

يرى أنه آثر الكتابة عن"الحداثة البعدية" في فضاء اختلافي قد يتقاطع مع غيره

حاوره: علاء المفرجي

- 2 -

الناقد والروائي عباس عبد جاسم ولد في بغداد ودرس فيها وتخرج في كلية الشريعة (علوم الدين والفقه والمنطق)، بدأ الكتابة والنشر خلال السبعينيات في مجلات عربية.

اقترن مشروعه في " الفكر النقدي " بقضايا: الحداثة والحداثة البعدية/ عبر المناهجية/ الواقعية الافتراضية/ تحولات واقعية الكوانتم اللاواقعية/ اليسار الجديد/ تنوير التنوير/ السيبورغ، بقضايا النظرية النقدية العابرة للتخصصات/ حساسية نص مابعد الحداثة/ الانتصاص الأدبي/ سرد مابعد الحداثة/ رواية النص/ أدب الحثالة.

وإقترن مشروعه باطروحات: ماوراء السرد Meta Narration وما وراء الرواية: Meta fiction على مستوى الكتابة السردية، وبذا كتب نصوصه القصصية والروائية بجماليات ماوراء القص بامتياز خاص به. أسّس " صحيفة - الأديب الثقافية " صدر له في الفكر النقدي: - مشكال التأويل العربي الأسلامي (اواليات التأويل واوالاته المعرفية). نقطة إبتداء في الحداثة والتحديث والنقد الثقافي، النظرية النقدية العابرة للتخصصات– تحولات النقد العربي المعاصر، في النهضة والتنوير والحداثة البعدية، الكتابة بأفق الاختلاف. وصدر له في النقد: قضايا القصة العراقية

• في كتابك " الأدب والكتابة – الإزاحة والإبدال"، نفهم" أن الأدب صائر الى زوال" وتضع الكتابة كمفهوم بديل، ليبدأ الاتجاه نحو اللانوع، فهل يعني ان الكتابة تقف بالضد من الأجناس، بل وازالة الجدران بين الأنواع الأدبية؟

- أرى بأن الأدب صائر الى زوال، بعد أن تفكّك بظهور الكتابة العابرة للأجناس الادبية؛ كمفهوم موازي له بصيغة الإزاحة والإبدال، حتى أخذ يتجه نحو اللا – نوع أو اللا – مسمى على نحو إشكالي، لإنتاج بنى هجينة نتيجة تقلبات ثقافية وإجتماعية بكينونات غير مستقرة.

ويقترن مفهوم الزوال بفكرة "حركة التغيّر" الناجمة عن "حركة التصادم السياقي بين الثقافات المختلفة"و"الشعور باللا- ثبات"، لأن اللاثبات والتغيّر من أهم سمات الكتابة، فالكتابة نتاج عصر الكمومية واللاتعيّن واللامركزية والمعلوماتية والاقتصاد الحر وألعاب اللغة وقيم المخاطرة والتحرّر من التمركز والانفكاك عن "اللوغوس"، وبذا فنحن في زمن لم يعد فيه العالم بحاجة الى أدب، حتى أصبح " اللا – أدب " هدفا ً لتحولات الكتابة الجديدة.

ويبدأ زوال الأدب من زوال الحدود بين الواقع والتخيل، وذلك بإلغاء الحدود الفاصلة بين الصيغ والأنواع، ولكن الانتقال من الأدب الى الكتابة ليس تطورا ً، وانما هو إبدال " وإلابدال هنا يعني بتعبير محمد بنيس"القطيعة"، أي نفي لقيمة بصيغة " تعويض بنية بأخرى".

ونفهم القطيعة بوصفها أكثر المفاهيم- إستجابة لفهم القطائع وتعاقبها، وأكثر تمثلاً لفكرة (قطع السياق ووصله) بصيغة كسر النمط بنمط آخر، والخروج عليه.

وقبل ذلك كلّه، فقد تنبّه جاك رانسيير الى أن معنى كلمة " الادب بوصفه أدبا " فَقدَ معناها في القرن التاسع عشر(....) وصارت تعني فن الكتابة بحد ذاته، وإن كان الأدب قد وصل الى نقطة الصفر، فإن نقطة الصفر تعني غياب الحدود في الكتابة بما يتجاوز "أكاذيب الأدب".

وبعد انهيار الحدود بين الصيغ والأنواع وإختلال نسق القيم وإضطراب العالم، تزعزعت الأجناس، فقد تفكّك مفهوم الجنس بالتكاثر، وتحلّل تصنيف الأجناس باللايقين واللاتحديد واللاتعيّن، فاتجه الكاتب نحو إختراع أشكال جديدة.

وإبتداءُ من "دون كيشوت" فصاعدا ً، تبنّت الرواية قانونا ً مضادا ً للقانون الأدبي والروايات السابقة، وخاصة بعد أن راحت الرواية تحاكي نفسها بدلا ً من الواقع.

وهذا يعني أن تاريخ الجنس الأدبي تاريخ مضطرب لن يستقر عند حدود قارّة، والنوع كذلك، إضافة الى إحتواء الجنس والنوع احدهما للآخر، لدرجة لا يمكن التمييز بينهما.

وتقوم فكرة الجنس على فكرة التحديد بقدر ما تقوم على فكرة التعدّد – كضم معايير مشابهة – كعلاقة الملهاة بالمأساة والدراما، وعلاقة الملهاة بالمسرح، وعلاقة القصة بجنس الحكاية، وعلاقة الحكاية بالرواية.

اذن ليس هناك معايير ثابتة للجنس، فقد افتتحت آن أوبر سفيلد Ane ubersfeld، وهي أكبر المتخصصين في المسرح أحد أعمالها بهذه العبارة الصادمة:

"المسرح خلافا لذائقة شديدة الانتشار أصلها المدرسة، ليس جنساً أدبياً، انما هو ممارسة على الخشبة ".

لهذا تشمل الدراما drame-: المأساة والملهاة "سوفوكليس وأريتستوفانيس"، كما انه وسيط بين الملهاة والمأساة، بل وتقوم على تقويض فكرة الجنس، لأنها قائمة على رؤية كل شيء".

أمّا الرواية، فمنذ نشأتها، لم تحتفظ بـ " شكل أدبي" معين، حتى أصبحت الرواية بتعبير – مارت روبير – " تشتِّت أكثر مما توحِّد".

ويقول باختين: الجنس الأدبي لا يحتفظ بنقائه من حيث كونه يجمع عدة أجناس أدبية دفعة واحدة".

لهذا فإن "أدب اللا – نوع: ليس مجرّد حثالة، وانما نتاج خبرة جديدة في الكتابة".

لقد زحزحت نصيّة النص– أدبية الأدب، وبذا إنزاحت نظرية الأدب عن الحقل الأدبي بنظرية النص، فالنص يقوم على تقويض الاجناسية وتدمير التصنيفات الوصفية، وخاصة أن النص عملية دينامية لإنتاج دوال لا نهائية، وبهذا إنزاح سؤال سارتر: " ما هو الأدب؟ " بسؤال " ما هو النص؟ ".

ومن هنا جاءت ما بعد الحداثة لتنادي بالتعدّدية، وكانت التعددية سببا ً في إنفراط عقد الأنواع الأدبية وتداخل هذه الأنواع فيما بينها، وقد أدى هذا الى ظهور ماوراء الأدب – meta literature، وما يصطلح عليه بالانعكاس الواعي للذات، وأحد عناصر ما وراء الأدب -الايهام بالواقع بوصفه شكلا ً من أشكال الأدب التخييلي.

وقد مهّد هذا التداخل الى إنتاج الكتابة، والكتابة النصوصية، فقد أدرج رولان بارت - R. Barthes إنتاج النصوص كلها في الكتابة، والكتابة تقوم بتقويضالأدب بوصفه أجناسا ً مؤسساتية، وحاول جيرار جينيت - G. Genetteالتأسيس لشعرية جديدة قائمة على النص الجامع – L architexte تتجاوز الأجناس الأدبية، وهي تؤسس أيضا لما يعرف بـ " التعالي – Transcendance ".

إذا ً، بعد أن تفكّك أدب النوع باللا – نوع من الكتابة، تحولت الكتابة الى متاهة وجودية أو كيانية تمر أحيانا ًعبر متاهة معرفية، لتتجلى في تمثيلات البحث عن الذات في عالم عائم على سطوح مترجرجة، تتعايش فيها تناقضات الواقع مع جماليات الحياة على سطوح متعدِّدة.

• ماهي بالضبط رؤيتك في قراءة الحداثة العربية؟ حيث نرى أنك تؤيد وجود حداثة عربية حتى ولو استعارت شعاراتها وافكارها من الغرب؟

- لا يمكن تحقيق حداثة عربية من دون وعي بالقطائع المعرفية بين الذات العربية والتراث العربي؛ إبتداءُ من القرن الخامس الميلادي وحتى عصر النهضة، وإلا ّ فما تعليل "غياب المستقبل " في مقدّمة إبن خلدون؟ وما أسباب إخفاق فكر إبن رشد في البيئة الاسلامية وانتشاره في البيئة الأوربية؟ ولماذا تراجع الفكر العقلاني أمام تقدّم الفكر الصوفي الغيبي؟ وبالتالي كيف توقف(باب الاجتهاد) في التأويل العربي الاسلامي في القرن الرابع الهجري؟

وقبل أن احدّد رؤيتي للحداثة العربية، لابد من الاشارة الى وجود وعي عربي منقسم على ذاته، بين من يتبنى التراث من خلال التمركز بصيغة الانغلاق عليه من (منظور سلفي)، وبين مَن بتبنى الحداثة بصيغة الانفتاح عليها من(منظور كوني)، وبإزاء هذا الانقسام، أجدني أكثر تمسّكا ً بحلقة الربط الجدلية بين الخصوصية والكونية في فهم الحداثة العربية، لهذا أرى بأن الحداثة العربية – ليست "حداثة رثة" كما ذهب الى ذلك المفكر السوري برهان غليون في كتابه"الاسلام والسياسة:الحداثة المغدورة"، هذا على الرغم من انها (تنتج قهرا ً أو عنفا ً أواستبدادا ً)، وانما هي حداثة ناقصة، أي تنقصها الخصوصية العربية، بدلالة أن الحداثة (عندنا) متقدِّمة على واقع متخلف عنها، ولكن التخلف الحاصل في البنى التحتية هو إنعكاس للتخلف الحاصل في البنى الفوقية.

لهذا تستدعي الحداثة العربية – تجديد الفكر العربي بحيوات جديدة مستوعبة للتراث العربي أولا، وينبغي الاعتراف بانجازات الغرب الفاعلة في أدق تفاصيل حياتنا الفردية والاجتماعيةثانيا، وإلا ّ "لا يمكن أن نضع أنفسنا داخل خزانة ونغلقها علينا، بينا نحن جزء من عالم يتغيّر من حولنا بسياق دائري يحيط بنا ويشتمل علينا".

• انت تصطلح على ما بعد الحداثة – بـ "الحداثة البعدية".. في أي منظار لك، تنظر لهذا الأمر؟

- آثرت الكتابة عن"الحداثة البعدية" في فضاء اختلافي قد يتقاطع مع غيري، لأن الحداثة البعدية تتحرّك بدينامية التحوّل الذي يجلب التغيير بقوة العابر والمختلف والمتجاوز باستمرار، وذلك لكي أتجاوز عبثيةكل تحقيب زمني وتاريخي، وخاصة: كيف حرّرت الحداثة البعدية – (الحداثة) من (ايديولوجية الحداثة)نفسها؟ وكيف واجهت الحداثة البعدية النزعة الاستهلاكية في مجتمعات السوق الرأسمالية المتأخرة؟ وقبل ذلك؛ ما نهاية الحداثة بالمعى" الكارثي"؟

وان كانت" نهاية الحداثة " تشكل بداية " تحوّل جذري " نحو الـ " ما بعدية"؛ فهل"ماتت الحداثة "؟ وهل اللاإستقرار في تعريف ما بعد الحداثة نتاج قلق حضاري إيجابي مشروع؟

وكان لا بعد من تصحيح إنحراف مفهوم "ما بعد الحداثة"، كما أن " الحداثة البعدية " مصطلح وصفي (رجراج) لحالة الحداثة، وهي في طور الولادة دائما ً، اذن فما العمل؟

لقد رأينا على نحو مختلف عمّا رآه تيري إيغلتون وغيره؛ في أن ما بعد الحداثة ليست مرحلة تاريخية "مخصوصة"، كما أن هذا التخصيص جزء من طاقة الخطأ الاصطلاحي والمفهومي، وإلا ّ فما تعليل حيواتها الدينامية العابرة للمرحلة التاريخية والزمنية المخصوصة بأفق مفتوح لاستيعاب أي تعديل أو تغيير قائم أو ممكن أومحتمل؟

ولا بد من الانتباه الى ان " ما بعد الحداثة " ظهرت (قبل) انهيار النظام الاشتراكي وسقوط جدار برلين، ومبدأ الريبة في ميكانيكا الكم، و(بعد) ظهور فيزياء الكوانتم، وتضخم رأس المال، وتفكك العمل، والتراكم المرن، وتدحرج الانسان نحو المجهول، وذلك بالتزامن مع ظهور الانسان العابر، وتكنولوجيا النانو، والثورة البيو- تكنولوجية.

لهذا تتميز الحداثة البعدية في انها مستوعبة للتحوّلات الجديدة، ومفتوحة على أية تحولات قادمة.

أذن مصطلح "الحداثة البعدية " لا يشير الى ما يأتي عقب الحداثة، بل الى "الوظيفة" التي ترتبط بين: الذات والموضوع/ العقل والجسد/ الطبيعة والثقافة/ الصانع والمصنوع/ الحقيقي والافتراضي/ الجزئي والكلي، لهذا إتجهت الحداثة البعدية منذ البدء نحو "تنوير التنوير" بعد أن أخفقت الحداثة في مشروع "التنوير غير المكتمل"، الذي توقف عند حدود الاصلاح الديني لمرحلة اللاهوت الميتافيزيقي، بعد أن " إستنفد العقل التحرري طاقته الروحية والاخلاقية - كما يرى محمد أركون – وتحوّل الى عقل توسعي تسلطي"، لتبدأ الحداثة البعدية مرحلة جديدة من تلازم "العقلانية والعلمانية والمدنية" بروح جديدة أيضا.

من هنا أطاحت الحداثة البعدية - الايديولوجيات الشمولية، وزحزحتالحقائق اليقينية وفكّكت الثوابت العقلانية الدوغمائية.

• ورغم البداية الصعبة لقصيدة النثر، ورفضها من قبل التقليدبين، وإشكالاتها التي بدأت بشكل خاص من التسمية، والقصور الواضح في توفر إجراءاتها النقدية إلا ّ اننا نرى مراوحة هذا النوع بين الشعر والنثر.. ماذا تقول؟

- اننا نفهم قصيدة النثر– بوصفها قصيدة إشكالية ذات طبيعة "هرمسية" ملتبسة، وذلك لإتحاد دالين متناقضين فيها (شعر– نثر)، كما نرى بأن إشكالية قصيدة النثر– إشكالية ايديولوجية أكبر من إشكالية هويتها الاجناسية، لهذا ولدت قصيدة النثر من رحم الانهيارات المتدرِّجة للذات العربية، وكرد فعل على إنسداد الأفق العربي على ذاته، وإن كانت اللحظة العربية كما وصفها بول شاؤول "كلها معولمة"، فينبغي التمييز ضمن سياق هذه اللحظة بين العولمة كإيديولوجيا للتشظي، والتشظي كسمة من سمات قصيدة النثر الدالة على تشظي الذات العربية.

لهذا خلخلت قصيدة النثر سياق الشعر العربي، بل وخضخصت قوانين عمل الشعرية العربية بالأساس، إبتداء ً من تفجير اللغة وانتهاء بتفكيك "قداسة الرؤيا" وذلك بدلالة الانتقال الى "أنا بلا صفات" و" مساواة الداخل والخارج" و"خلط الذات بالاشياء" و"شعرنة التقرير والمباشرة والخبر والسرد" وصولا ً الى "خروج الشعرالى اللاشعر والى الشعر المضاد"، وقد ترافق مع هذا الانتقال "مشروع تدمير الفصاحة العربية"، حيث كانت دعوة عباس بيضون الى تفكيك الفصاحةالعربية – كما يرى البعض– بمثابة دعوة الى تفكيك البناء الفوقيللاسطورة القومية.

اذن كانت أدجلة قصيدة النثر بصيغة تهجين هويتها أو تذويبها بالعولمة أكثر إشكالية من أجنسة قصيدة النثر بصيغة البحث عن هوية أجناسية لها.

وما أشكل قصيدة النثر- التداخل والخلط بينها وبين القصيدة الحرّة، فقد رأى بول شاؤول بأن ثمة علاقة بين الشعر الحر وقصيدة النثر من خلال السمات المشتركة بينهما كوحدة الموضوع والجملة الشعرية والحرية، ويذهب سركون بولص الى تخطئة تسمية قصيدة النثر: "حين تقول قصيدة نثر، فهذا تعبير خاطئ، وفي الشعر العربي عندما نقول قصيدة نثر، نتحدث عن قصيدة مقطّعة، وهي مجرد تسمية خاطئة، وأنا أُسمي الشعر الذي أكتبه بـ " الشعر الحر.

• في كتابه "الثمرة المحرّمة " للناقد حاتم الصكر ناقش فيه، وهو بصدد قصيدة النثر– ما أسماه البلبلة، الاصطلاحية وفوضى التسمية، هل يصح هذا على كل الشعر العربي إبتداءً من منتصف القرن المنصرم؟

-قبل أن تتبنى نازك الملائكة مصطلح "الشعر الحر"، فقد تنبهت في مقدَّمة ديوانها "شظايا ورماد" عام 1945؛ بما سوف تؤول إليه عوامل تفكّك وتشظي الشعر العربي، وبإزاء إنتقال الشعر العربي من بنية الى أخرى، أو من مرحلة الى أخرى؛ أهو تغيّر وتطور أم إزاحة وإبدال؟

إن كان محمد بنيس تمسّك بـ" فكرة الإبدال" بوصفها مركز مدار جماليات إنتقال الشعر العربي، ليجعل من " تصدّع الذات" هو "رحم الابدال النصي"، فإن"الإبدال" عندنا يرتبط بـ " الإزاحة " كبنية متمّمة له".

لهذا نرى أن كل تجديد هو خروج على سلطة النموذج القائم بنموذج آخر لإبداله وإزاحته، وهو نتاج صراع: بين "الشعر وجدل الأشكال الشعرية" أولا، وبين"الذات وفواعل التغيير" في البنى الاجتماعية ثانيا، مما إستدعى هذا التغيّر– إستحداث قوانين عمل جديدة في الكتابة الشعرية.

ونرى أيضا بأن التفعيلة كانت آخر بنية تحمي السياج العروضي من الانهيار المتدرّج في الشعر العربي، بعد أن تراجع أمام تقدم مقولات قصيدة النثر، ورغم تراجع قصيدة النثر، فإننا نعد مرحلة ما بعد قصيدة النثر-أعلى تمرّد في نطاق الشعر العربي المعاصرة.

واسمح لي أن أعود الى سؤالك السابق على وفق "مفهوم الانبثاق " بصيغة الانطلاق منه، والعودة الى سؤالك هذا بسياق دائري.لعل أول قطيعة عنيفة مع قصيدة النثر العراقية تمثلت في "الاطروحة الشعبية -1994 " و" جوائز السنة الكبيسة - 1995" للشاعر للراحل رعد عبد القادر، فقد كسرت هاتان المجموعتان النمط المألوف لقصيدة النثر، والخروج عليها كليّا على مستوى؛ عنف اللغة، وعنف الرؤية، وعنف الشكل، وكانت كل منهما صادمة للذائقة الشعرية، فقد أطاحت "الاطروحة الشعبية" بـ "البلاغة السلطانية" و"المحسِّنات الاسلوبية"، وخلخلت اللغة الفصحى باللهجات العامية، أما "جوائز السنة الكبيسة " فقد أطاحت الشكل الشعري المـألوف باستخدام شكل المخطوطة العربية الاسلامية، وهذه المجموعة منسوخة بخط "يد" الشاعر حكمت الحاج، وهي تمثل كتابة شعرية تتكون من نصوص ميثولوجية ورسموية وطباعية على وفق عمل مركب بحساسية جديدة مضادة تماما لقصيدة النثر، و"يتجاور" في هاتين المجموعتين "مالايتجاور" من تنافذ الأشكال، وترافد الاجناس، لإنتاج "بنية"تشاكلية "لامبنينة" بتعبير كمال أبو ديب.

ويمكن أن نعد " نص النصوص" لـ " جوائز السنة الكبيسة " كتابة عابرة لقصيدة النثر، لانها تمثل أعلى تمرّد في سياق تطور قصيدة النثر العراقية والعربية باستثناء "ورقة البهاء" للشاعر المغربي محمد بنيس.

لهذا فالكتابة الشعرية، كتابة تسعى الى تحويل القصيدة الى " كتابة " لامركز لها ولانهاية، كتابة بلا قياس، ولاقانون يحكمها، وذلك إيذانا بمرحلة جديدة من الانتقال الى مابعد قصيدة النثر، وقد بدأت هذه النزعة " تتبنين" في كتابات معدودة.

• في حوار مع الناقد حاتم الصكر، قال "هناك ما يهدّد بزوال النقد الأدبي لصالح النقد المتعجل، وحلول النقد الثقافي محله كما نقرأ صراحة، وشيوع الدراسات الساذجة التي تتناول ظواهر لا قيمة لها في ظني، انها ملمح اجتماعي يجدر بالنقد الثقافي أن يتناولها ".. ماذا تقول عن ذلك من وجهة نظرك؟

-نعم؛أتفق مع الناقد حاتم الصكر من حيث " ظهور دراسات ساذجة تتناول ظواهر لا قيمة لها، تهدّد بزوال النقد الأدبي لصالح النقد المتعجل" لأشباه نقاد دخلوا ميدان الكتابة حديثا، وذلك لاسباب منها: شيوع النشر المجّاني/ وتدنّي الذائقة/ وهبوط الثقافة الى الحضيض، وهي إنعكاس لأمراض ثقافية "طبيعية " و"عضوية" في آن.

وعلى الرغم من أنني مع الديقراطية من حيث: حرية الرأي، والرأي الثقافي العام، إلاّ أنني ضد "مساوئ الديمقراطية" في الصحافة الثقافية التي تحتفي بـ "الدراسات الساذجة"، لهذا أتفق معك على ضرورة دراسة وتفكيك "الدراسات الساذجة" في النقد الثقافي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram