ثائر صالح
دخل الحفل الموسيقي الكبير الذي نُظّم يوم 22 كانون الأول من سنة 1808 التاريخ، وكان الحفل قمة ما وصل إليه بيتهوفن في فيينا. فقد قدم فيه العرض الأول لعدد من أهم أعماله: السيمفونية الخامسة (القدر) التي غيرت الشكل السيمفوني،
والسيمفونية السادسة (الريفية) الوديعة والتي هي نقيض الخامسة في عنفوانها، وكونشرتو البيانو الرابعة وعمله الكورالي البديع فانتازيا الكورال. استغرق الحفل زهاء أربع ساعات في واحد من أبرد أيام السنة في بناية غير مدفأة هي "المسرح على (ضفة نهر) فيينا". وهو مسرح انتهى بناؤه سنة 1801 ويقع اليوم على مقربة من مجمع المتاحف، وليس بعيداً عن السوق المفتوح الشهير "ناشماركت". وقد تمّت تغطية النُهير أو الجدول بالأحرى بين 1898 - 1905 في هذا الجزء، ويقع السوق فوق النُهير. والمسرح يعمل اليوم كدار أوبرا لها فرقتها الخاصة تقدم فيه المسرحيات الموسيقية والأوبريتات بشكل خاص، ويجري أحيانا تقديم الأعمال الأوبرالية التي يندر تقديمها في دور الأوبرا الأخرى وتغطي فترة زمنية من موتسارت وهايدن حتى اليوم.
شهد هذا المسرح تقديم العرض الأول للعديد من أعمال بيتهوفن، مثل السيمفونية الثانية وكونشرتو البيانو الثالثة والمسيح على جبل الزيتون (1803)، ثم في السيمفونية الثالثة (البطولة) في ربيع 1805، وأوبرا فيديليو في خريف العام نفسه، ثم كونشرتو الكمان العظيمة سنة 1806 قبل أن يأتي عرض 1808 التاريخي. شهد كذلك العروض الأولى لأعمال شهيرة مثل موسيقى شوبرت المصاحبة لمسرحية روزامونده (1823) قبل أن يصبح المسرح المفضل لرواد الأوبريت الكبار منذ الثلث الأخير من القرن التاسع عشر مثل النمساوي يوهان شتراوس الابن والمجريين فرنس ليهار وإمره كالمان. وقد عاش المسرح فترة انتعاش خلال تقديم أوبريتات هؤلاء المؤلفين الذين ارتبط اسمهم بمدينة فيينا.
وقد أعادت فرقة الراديو النمساوي تقديم الحفل كاملاً في يوم الذكرى المئوية الثانية، كما يجري تقديم كل فقرات الحفل بين الحين والآخر من قبل الفرق الموسيقية بشكل عام والأمريكية على الخصوص.
بدأ الحفل بالسيمفونية السادسة، تلتها اغنية (آريا) للسوبرانو والأوركسترا، ثم مقطع غلوريا من القداس في دو الكبير الذي ألفه بتكليف من الأمير نيقولا الثاني أسترهازي، تلاه كونشرتو البيانو الرابع بعزف بيتهوفن قبل أن تبدأ الاستراحة. بدأ الجزء الثاني من الحفل بالسيمفونية الخامسة، ثم مقطع سانكتوس من القداس، تبعته فانتازيا للبيانو المنفرد (عمل رقم 77) وختم الحفل بفنتازيا الكورال للبيانو والكورس والأصوات المنفردة والأوركسترا.
لم تكن الأمسية مثالية، فقد تظافرت عناصر الطبيعة (البرد الشديد) وسوء التوقيت (تزامنها مع العديد من النشاطات الأخرى في المدينة، وقربها من أعياد الميلاد بالتالي ضعف قوام الأوركسترا)، والخلافات الشخصية بالإضافة إلى قلة التدريبات على ضعف الأداء الذي وصل ذروته في فنتازيا الكورال عندما انهار التوازن بين الفرقة والكورس مما اضطر بيتهوفن التوقف والبدء من جديد.
مع ذلك كان هذا العرض الأشهر، فهو تكثيف لمجموعة من أشهر الأعمال التي كتبها بيتهوفن.