طالب عبد العزيز
في حياتنا عشرات الاشياء التي يمكنها أن تجعلنا سعداء، لكنَّ الحياة في العراق ومنذ وعينا الأول لها تقع خارج منطوق السعادة دائماً، كما أرى، ولا أريد أنْ أخوض في مخاضة تعريف السعادة، والتي لم يحددها أحدٌ بالمال ولا بالاملاك ولا بالثياب والسيارات الفارهة ولا بالسفر والرصيد في البنك، إنما اقصد السعادة بمفهومنا الانساني البسيط لها، مجردة من المظاهر.
قد يمكننا تحديد مرحلة عمرية واحدة لسعادتنا ألا وهي مرحلة الطفولة، وأعتقد أنَّ الاطفال فقط هم السعداء في العالم، ذلك، لأنَّ العقل لم يكن قد تشكّل بعد، فالطفل يرى الاشياء جميلة حسب، لعدم استطاعته فلسفة القبح.
وجه الأم واستدارة الثدي والثوب الملون والسرير الابيض وكوب الحليب والبرتقالة وماعون الحساء. . ووو التي يراها الطفل هي المعنى الاول والاخير للسعادة عنده، لكنه ومع الزمن سيعرف أنَّ وجه أمّه لم يكن سعيداً للأبد، وكذلك ستكون استدارة الثدي والوان الثياب وغيرها، فهذه لن تخلد في زمن عينه طويلاً، ولا في لبِّ روحه، فالموحشات(بتعبير الجواهري)ستأتي تباعاً، وتزيح أو تنتزع مفردات الجمال والمباهج، واحدة اثر أخرى، وقد تطوي صفحتها الاخيرة الى الابد. لكنْ، ألا يمكن استعادة المفردات تلك؟ أو في القليل استبدالها بمفردات أخر! فالحياة من حولنا قادرة على منحنا الكثير مما بين يديها، إنْ أحسنا التعامل معها، لأنها كريمة وقادرة على التقاط الكثير مما سقط منا على الطريق الطويلة تلك.
أحيانا أجدُ نفسي حزيناً، مع أنَّ أياماً قليلةً تفصلني عن موعد راتبي التقاعدي! ومثلها أجدني ملولاً مع أنَّ صديقاً سيأتي بسيارته الجميلة ليأخذني الى الكورنيش، وأخرى اجدني فيها يائساً وضجراً، حتى أنني لا أتنسمُ عطري الذي أحبّ واعشق، وأنا أهيأُ حقيبتي مسافراً الى بلد في قارة باردة، ومثل هذه وتلك ما لا أحصيه ولا أتذكره. وحين أسألُ نفسي لماذا؟ لا أجدني في إجابة واحدة! هل ألقي بجملة الاسباب على التاريخ العربي الاسلامي، الذي يحيلني الى القبائح من الافعال، عبر سلسلة حروب الاجداد التافهة، أو الى وقوع البلاد في المنطقة الاستوائية الجافة، أو الى النظام الاجتماعي المقزز، المبني على الثأر والانتقام والدكات، أو الى هزيمة وتقهقر الانسان فينا، على يد النظام الكوني الاقبح ونحن في الالفية الثالثة؟
لا أعتقد بأنَّ عراقياً، أيَّ عراقيّ يمكنه القول بأنه أمضى يومه سعيداً! مهما بلغت درجة تفاؤله، أو أنه أكمل يومه دونما شعور غامض ومريب مما سيحلُّ به، فالفزع غالب عليه، وهناك ما يقهره في أي لحظة، نحن نتوقع حدوث السوء أكثر من توقعنا بحدوث الخير. ومع أنني لا أثق بالتقارير السنوية التي تصدرها بعض الجهات العالمية، والتي تحدد بموجبها أفضلية العيش، ودرجة السعادة، والمستوى المعاشي فهي معايير مدفوعة الثمن بلغة الإعلان، لكنْ، يمكنها أن تكون مؤشراً من نوع آخر، فهي تلفت انتباهنا الى حقيقة ما نحياه، أو في القليل تستفزنا لأسئلة ما! أتذكرُ أنَّ صحفيةً أوربية سألتني مندهشةً عن سرِّ سعادة العراقيين، مع ما هم عليه من سوء في حياتهم، أنا أيضاً بقيت مندهشاً من غرابة السؤال! وهل حقاً نحن سعداء؟ بل، أهي تعني ما تقصده في سؤالها هذا؟ وكيف يكون ذلك؟ لكنني، وحين عجزتُ عن إيجاد جواب مقنع قلت لها بأننا هكذا ندرأُ تعاستنا وميتاتنا المتصلة، وهكذا ندافع عن وجودنا الانساني، ثم قلتُ لها: أتعتقدين بأننا سعداء حقاً؟ أبداً، نحن نقارع الخيبات بالسخرية، ونصفع وجه الظلم بمغص في المعدة، ونتصدى للتعاسة بكأس خمر، ونشرب الشاي حارّاً في المقهى لنقول للصيف: لست وحدك المحرق بيننا يا حقير.