اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مَا قَبْلَ اَلْخَاتِمَةِ

مَا قَبْلَ اَلْخَاتِمَةِ

نشر في: 31 مارس, 2024: 10:20 م

د. خالد السلطاني

معمار وأكاديمي

يصدر قريباً كتاب "سامراء العمـرانية: قراءة في عمارة الحاضرة العباسية وتخطيطها". ادنـاه نـص "مَا قَبْلَ اَلْخَاتِمَةِ" للكتاب اياه.

".. افترض بان القارئ الكريم بعد تصفحه وقراءة هذا الكتاب، و"تَقْلِيب" آخر صفحة فيه، سيشعر بأن ثمة حدثاً عمرانياً مهماً ومميزاً قد جرى في مسار منتج العمارة الاسلامية (..ومنتج العمارة العالمية..ايضاً) في الثلث الاول من القرن التاسع الميلادي، واستمر ذلك الحدث في عطائه وانجازه حتى قرابة نهاية ذلك القرن؛ حدثً قد لا يكون امراً عادياً او مألوفاً في المشهد المعماري لجهة ثراء وتنويع اساليبه التصميمية، ولناحية دلالاتها الرمزية، فضلاً على مهام "التأسيس" التى اكتنفت بعض منجزاته المعمارية. فما تمّ، وما انجز هناك في بيئة تلك الحاضرة العباسية الجديدة من مآثر تصميمية أضاف الكثير والفرادة الى منتج العمارة الاسلامية، بل وعُدّت بعض نماذجها االتصميمية بمثابة فخراً لتلك العمارة ومجدها الفني. وبهذا تكون "عمرانية سَامَرَّاءْ" (وهي موضوعة كتابنا هذا)، تستحق الدرس والتحليل والاشادة وإعادة القراءة والتاويل لما انجز ولما تحقق! ولهذا، ايضاً، فان مسعانا في تأليف واعداد هذا الكتاب، نراه امراً واجباً ومسوغاً ونعتبره ايضاً التزاماً شخصياً وايماءة احترام تجاه "العمارة الاسلامية" التى ننتمي اليها.

كنت دوماً أُشير الى قيمة ورائدية "ظاهرة" ما انتج عمرانياً في الحاضرة العباسية: سَامَرَّاءْ، اذ تشابكت في حلولها التكوينية – الفضائية عناصر ومفردات تصميمية، ارتقت بتلك الظاهرة الى مصاف الاحداث العمرانية الاستثنائية من حيث القيمة والبراعة. وقد ساهمت تلك الظاهرة بحضورها البهي في اضافت جوهرية واساسية الى المسار الابداعي للعمارة الاسلامية. فقبل سَامَرَّاءْ لم تكن تلك "الظاهرة" جلية بهذا الوضوح والمهارة والحذاقة والاتقان، وبعدها كانت تلك الظاهرة قد "تأسست"! غير ان هذة الظاهرة "المتأسسة" والجديدة والممهدة في المشهد المعماري السامرائي لم تبق مجرد افكار وطروحات تصميمية، وانما تجلت بجوهرها في ممارسات تطبيقية لتصاميم متفردة استطاعت ان تؤثر تأثيرا عميقا في اجتراح مقاربات معمارية جديدة اغنت بحضورها منتج العمارة الاسلامية وساهمت في تنويعات ذلك المنتج واتاحت تأويل قيمه التصميمية.

في قراءتنا لـ "ظاهرة" <عمرانية سَامَرَّاءْ> ومحاولتنا الاستدلال على نماذجها التصميمية، اِستَعينا بادوات ومقاربات وفرتها لنا مناهج النقد الحديث لفهم وادراك تلك الظاهرة، مع ايلاء اهتمام خاص لإطروحة المعمار العالمي "رينزو بيانو" (1937) Renzo Piano باشتغاله على معنى ومفهوم "العمارة". اذ يذهب المعمار الايطالي في تعاطيه مع "اشكالية" <فهم> العمارة مذهباً مهنياً مميزاً، عبر تبنيه مقاربة معرفية ظل يستنير بها في خلق ذائقة خاصة يمكن بها إدراك كنه تلك الفعالية الابداعية التى تدعى "عمارة". فهو يرى بأن العمارة ما هي الا ظاهرة شبيه لكتلة "جبل الجليد" العائمة <الآيسبرغ> Iceberg، لا يُرى منها الا الجزء القليل، في حين يبقى قسمها الاكبر غاطساً في اعماق المياه. وهذا القسم المخفي يتضمن ثلاثة عناصر هي: المجتمع، والعلم، والفن.... فالعمارة هي المجتمع، ذلك لانها (اي العمارة)، لا يمكن لها ان تتواجد في المشهد من دون الناس، ومن دون طموحاتهم. كما ان العمارة هي – علم، ايضاً: فالمعمار يتعين ان يكون باحثاً ومستطلعاُ، يمتلك حب الاستقصاء والشجاعة، مثلما يحتفظ بتوق نحو المجازفة. واخيراً فان العمارة هي – فن: عندما تثير لدى الانسان احاسيس معينة، وهي تقوم بذلك من خلال "لغتها" الخاصة و"مفرداتها" المتشكلة من الاحياز والمنظومة التناسبية والمقياس وحضور اللون والمواد التى منها (من هذة المفردات) تتشكل تلك اللغة، وتتمظهر تلك العمارة!

في ضوء هذا المفهوم الذي ما انفك ماثلاً امامنا، ونحن في صدد قراءة "عمرانية سَامَرَّاءْ"، أرتأينا ان نتعرف وبالضرورة عن تلك العناصر التى اشار اليها المعمار الايطالي. فطبيعة المجتمع السامرائي وقتذاك، ونوعية المستويات الرفيعة التى وصلت اليها الحضارة الاسلامية في ناحيتي العلم والفن، كانت حاضرة كلها لدى المعمار السامرائي، الذي استطاع ان يجترح لنا مآثر عمرانية لافتة، متكأً في ذلك على فكرة "تراكم الخبر" لسابقيه، وموظفاً مقدراته الابداعية التى اتيحت له وتكرست لديه من المعايشة اليومية لطبيعة وخصوصية المجتمع السامرائي حينذاك، الحاثة للابداع والمشجعة والداعمة له. علينا ان لا ننسى ايضا شيوع فكرة بان النجاحات المتحصلة في جنس ابداعي معين يمكن لها التأثير ايجاباً وعميقاً على نجاحات اجناس ابداعية آخرى. كل ذلك كان حاضرا في المجتمع السامرائي ومتاحا لدى المعمار السامرائي: صاحب تلك المآثر العمرانية!

وقد لا نأتي بجديد، اذا قلنا بان كلمة "عمارة" او "عمران" كانتا الاكثر استعمالاً وتردداً في ثنايا الخطاب السامرائي واحاديث سكنة الحاضرة العباسية، لجهة شيوع وانتشار منجزات هاتين المهنتين، وحضور اعمالهما الدائم في البيئة المبنية السامرائية وفي نشاطها التخطيطي. ولعل الكثير من النجاحات التصميمية للمعماريين السامرائيين، كانت بواعثها تعزى الى دعم المجتمع المحلي للعمرانيين، ورعايتهم الدائمة والسخية من قبل الخليفة نفسه فضلا على الدعم والمساندة الذي حُظي هذا النشاط الابداعي من النخب السامرائية التائقة الى العمران والتجديد والتغيير.

واذ نعلم علم اليقين، بأن هذة الحاضرة العباسية، قد لعبت دوراً مهما وجوهرياً في اغناء مسار العمارة الاسلامية، من خلال اجتهاداتها العمرانية؛ مثلما اثرت ذخيرة العمارة العالمية واضافت الكثير لمهام التنويع الاسلوبي لها عبر اجتراح نماذج تصميمية رائدة ومبهرة، فاننا نعرف، ايضاً، بان سرديات تلك "العمرانية" بقيت شحيحة في ادبيات النشر المعماري، بحيث لا يمكن لها ان تتماثل او تتساوق مع طبيعة ذلك المنجز العمراني السامرائي المدهش والحصيف. ومحاولتنا التصدى لتلك المعضلة المعرفية عبر تأليف هذا الكتاب واعداده للنشر، كانت معنية في جوهرها بالسعي وراء ردم "هوة" النقص المعرفي الذي وجدت موضوعة "عمرانية سَامَرَّاءْ" ودرسها المهني نفسيهما فيه. ونأمل بان قراء كتابنا هذا، سوف يقدرون ويقابلون جهدنا الكتابي الذي استمر سنوات قضيناها في مهام التقصي وزيارة وتحليل ومن ثم تأويل وتفسير ذلك المنجز المهني الرفيع، مثلما نأمل ان تكون محاولتنا هذة باعثا وحافزا للآخرين في تناول الدرس العمراني السامرائي مستقبلا واثراءه بنصوص جديدة تنيره وتفسره بقراءات جادة ومختلفة. ونعول في ذلك على همة الباحثين الشباب محبي ومولعي منتج سَامَرَّاءْ العمراني في الحاضرة العباسية على وجه الخصوص، ومنتج العمارة الاسلامية عموماً".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram