د. طلال ناظم الزهيري
عندما اخترع (صامويل كولت) المسدس أطلق عبارته المشهورة (الآن تساوى الشجاع والجبان) حتى أنه ذهب إلى أبعد من ذلك عندما رفع شعارا لشركته يقول فيه (خلق الله الرجال؛ وجعلهم كولت متساوين).
لكن الأيام أثبتت أن الشجاع والجبان أبدا لن يكونوا متساوين حتى وإن كان كل منهم يحمل مسدسا في يده فلا قيمة لمسدس تحمله يد مرتعشة. واليوم أجد أن هناك سيناريو آخر أراد كاتبيه أن يعيدوا إلى الأذهان مقولة كولت لكن هذه المرة بمعنى آخر وهو (الآن تساوى الأذكياء مع الأغبياء) نعم أنهم رواد تطبيقات الذكاء الصناعي. فمع المحاولات الأولى التي قام بها (آلن كورنجي). لسبر غور عالم ذكاء الآلة عام 1956 وصولا إلى عام 2012 الذي شهد نجاحات مهمة في تطبيق مفاهيم التعلم العميق. وانتهاء بعشرينيات القرن الحالي الذي شهد إطلاق العديد من التطبيقات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. إلا أن الانعطافة المهمة في عالم الذكاء الاصطناعي هو إطلاق شركة [Openai] عام 2022 لبرنامج الحوار [ChatGpt] كنسخة متطورة من برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومنذ ذاك التاريخ شهد مجال التطوير تنافسا محموما بين شركات البرمجة العملاقة للهيمنة على سوق تطبيقات الذكاء الاصطناعي. واليوم نحن نكاد نكون محاصرين من هذه التطبيقات التي تداخلت في مختلف مجالات الحياة التعليمية والصحية والصناعية والاقتصادية... إلخ. ولا شك أن الفضل يرجع إلى [ChatGPT] في بدء طفرة نوعية في مجال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما أدى إلى استمرار الاستثمار السريع وغير المسبوق في هذا المجال والاهتمام العام به.
وفي إطار حديثنا عن [ChatGPT] لا بد أن نتوقف عند المميزات الكبيرة لهذا البرنامج والتي يمكن استثمارها في مجال حياتية متنوعة ولعل قطاع التعليم واحد من أبرز القطاعات التي يمكن لها أن تستفيد من نماذج تطبيقات الذكاء الاصطناعي تلك في تطوير العملية التعليمية. لكن يبقى الجانب السلبي حاضرا عندما يساء استخدامه من خلال زيادة الاتكال على هذه التطبيقات في تنفيذ الكثير من الوظائف التي كانت بحاجة إلى ممارسة ذهنية تحافظ على النشاط الفكري للطالب والباحث. حيث ان القدرة على توليد النص وفق حاجات المحاور وكتابة الشفرات البرمجية والإجابة على الاستفسارات وغيرها الكثير من الوظائف الاخرى التي كانت تتطلب مجهودا فكريا وذهنيا اصبحت متاحة وبكل يسر. وهنا لا بد من ان نتوقف عند حقيقية جوهرية وهي الى أي مدى سوف تؤثر هذه التطبيقات مستقبلا عن النشاط الذهني للبشر. على سبيل المثال لم يعد الطالب بحاجة الى البحث والمراجعة لكتابة تقرير عن موضوع ما يكلف به. لا يحتاج الى اكثر من كتابة عبارة (اكتب لي تقريرا حول ظاهرة الاحتباس الحراري معززة بالمصادر). ليقوم البرنامج بتنفذ الامر خلال ثوان معدودة. وهنا لا اريد ان اجادل في مدى دقة المعلومات وجودتها التي نحصل عليها من البرنامج مقارنة بالمصادر الورقية والرقمية التي كان على الطالب الوصول لها لانجاز التقرير. لكني بلا شك سوف استذكر كيف كنا حرصين ونحن طلاب على حفظ جدول الضرب لحاجتنا له في حياتنا اليومية للوصول الى نتائج رياضية سريعة. لكن ذلك الاهتمام تراجع اليوم واصبحنا نعتمد كليا على تطبيق الة الحساب الموجودة في هواتفنا الذكية. الامر من وجهة نظري سوف يؤدي الى نفس النتيجة. حتى ان محاولات التوعية الاكاديمية التي تدعو الى تقليل الاعتماد على تلك التطبيقات تتهاوى امام الاغراءات التي تقدمها تلك التطبيقات خاصة على مستوى البحث والتعليم الامر الذي دفع شركات برمجية اخرى تستثمر هذه الرغبة والعمل على تطوير تطبيقات اخرى تعمل على كشف النص الذي تم توليده باستخدام الذكاء الاصطناعي. في المقابل ظهرت تطبيقات معاكسة تهدف الى تمويه النص الذي تم توليده بالذكاء الاصطناعي ليكون مقاربا الى النصوص البشرية. وسوف يستمر هذا التنافس المحموم طالما ان هناك ارباح تتحقق لكن في النهاية الغلبة سوف تكون بلا شك لتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي سوف تتطور بشكل تدريجي وتتغلل في مختلف مناحي الحياة لتكون رفقية لنا من الطفولة الى الشيخوخة لتعيد الى الاذهان افلام الخيال العلمي الذي تنظر الى مستقبلا يكون الانسان فيه اسير الالات الذكية التي سوف تحكم العالم. وعودة على ذي بدأ اقول اذا كان المسدس قد فشل من ان يجعل الشجاع والجبان متساوين من وجهة نظري. هل يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ان تجعل من الاذكياء والاغبياء متساوين. الجواب بكل تاكيد لا. حتى في مجال استخدام هذه التطبيقات يكون هناك فارق بين المستخدم الذكي والآخر الغبي. اختبرت على مدى سنوات في مجال البحث العلمي وتنامي الموارد الرقمية التي تقدم فرصا متساوية للباحثين واكتشفت ان هناك باحثي اذكياء تمكنوا من تحقيق انجازات علمية مهمة في الوقت الذي فشل فيه اقرانهم من تحقيق اي انجاز علمي يذكر حتى بوجود الفرص المتساوية. ولعل البعض من هؤلاء الذين ينقصهم الذكاء الفطري او المهارات العلمية المكتسبة حتى الآن لم يسمع [ChatGPT].
وعلية يمكن القول ان الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز قدراتنا العقلية ومهاراتنا الفكرية بدلاً من التقليل منها هو الهدف الذي نسعى الى تحقيقه، والذي يمكن ان نقترب منه من خلال:
• تنفيذ برامج تعليمية شاملة تهدف إلى تعزيز مهارات المعرفة الرقمية منذ سن مبكرة. يتضمن ذلك فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وقيوده وكيفية التقييم النقدي للمحتوى الذي ينشئه الذكاء الاصطناعي.
• تشجيع الأفراد على التشكيك في المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي وتحليلها والتحقق منها بدلاً من قبولها بشكل سلبي ودون تحقق.
• تشجيع الالتزام بالمبادئ التوجيهية الأخلاقية وممارسات تطوير الذكاء الاصطناعي المسؤولة لضمان استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي ومسؤول.
• يجب ان تعزز أدوات الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري بدلاً من أن تحل محله. بالتالي لابد من التأكيد على أهمية الإبداع البشري والحدس وقدرات حل المشكلات إلى جانب مساعدة الذكاء الاصطناعي.
• تشجيع الأفراد على استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لتعزيز قدراتهم، وليس كبديل للفكر والجهد المستقلين.
• تنويع أساليب التعلم لتشمل مزيجًا من التعلم بمساعدة الذكاء الاصطناعي والأساليب التقليدية التي تتطلب مشاركة معرفية نشطة وهذا يضمن أن الأفراد يطورون مجموعة واسعة من المهارات الفكرية ولا يعتمدون بشكل مفرط على الذكاء الاصطناعي في التعلم وحل المشكلات.
• تشجيع الأفراد على البقاء على اطلاع بالتطورات في مجال الذكاء الاصطناعي وتكييف مهاراتهم وفقًا لذلك ليظلوا مرنين فكريًا في عالم يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
ومن خلال تنفيذ هذه المقترحات، يمكننا الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي مع حماية قدراتنا العقلية ومهاراتنا الفكرية وضمان بقاء الذكاء الاصطناعي أداة للتمكين بدلا من الإضعاف.
جميع التعليقات 1
Shrefa039@gmail.com
مقال مشوق من السطر الأول الخلاصه يجيب ان يكون العقل البشري هو محور وأساس التطور بمعنى المسيطر على الإله وليست المسيطره عليه الله سبحانه وتعالي ميزنا بالقدره على التفكير الإبداع والتطور... أما الاستخدام هذه هي الفجوه بينناوبين الغرب