حازم مبيضينكنا نتمنى لو لم يقتصر إحياء يوم القدس العالمي، الذي ينظم سنوياً في الجمعة الأخيرة من رمضان، بناءً على فتوى من الإمام الراحل الخميني، على عدد من التظاهرات التي جابت بحماس يتناسب طردياً مع حجم التغطية الإعلامية، شوارع عدد من المدن في العالمين العربي والإسلامي،
وهي تدعو المسلمين لنصرة المسجد الأقصى الذي يتهدده التهويد، وكنا نتمنى أن لا تستغل المناسبة، للتنديد بالعملية التفاوضية بين الفلسطينيين الذين يصرون على استعادة السيادة على الأقصى، والاسرائيليين الساعين لتهويد المدينة المقدسة. طهران كانت الأكثر حفاوة بيوم القدس العالمي من الناحية النظرية، فالرئيس الإيراني لم يتحدث عن القدس في يومها، لكنه شدد على أن المفاوضات بين السلطة وإسرائيل ولدت ميتة، وبشرنا بأن مصير فلسطين لن يكون عبر الحوار والتفاوض وإنما عبر المقاومة، وكان يتحدث أمام عشرات الآلاف، الذين شاركوا في المسيرات للتعبير عن مساندتهم للفلسطينيين لتحرير أراضيهم من الاحتلال الإسرائيلي، لكن المتظاهرين لم يتبرعوا بفلس واحد، للحفاظ على عروبة المدينة، واكتفوا بهتاف حناجرهم، ورفع قبضاتهم في الهواء، وكأنهم يؤمنون بأضعف الإيمان وينسون فعل اليد.وفي لبنان انتهز الشيخ نصر الله يوم القدس ليردد نفس مقولات قادته في طهران، فيصف المفاوضات بنفس كلمات نجاد " ولدت ميتة "، ويضيف من عنده أنها تافهة. وينتهز سيد المقاومة المناسبة متناسياً القدس، مستعرضاً طيفاً من القضايا، فيحدثنا عن اختفاء الإمام موسى الصدر، ويعتبر انسحاب الوحدات الأميركية المقاتلة من العراق عنوان فشل وهزيمة، وعن انتصارات وهمية لمحور الممانعة، وليشن مجموعة من التهديدات المبطنة لأبناء شعبه المصرين على انجاز عمل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري.أما فلسطينيو الفصائل الممانعة فقد جالوا شوارع مدينة غزة منددين بمفاوضات واشنطن ومؤكدين أن المقاومة هي الخيار الأوحد، وليهاجم الخطباء لجنة المتابعة العربية التي أعطت الضوء الأخضر لبدء المفاوضات المباشرة، لكن ذلك اليوم لم يشهد عملية فدائية واحدة ضد الاحتلال، وفي جنوب لبنان تجمع المئات في بلدة كفر كلا الحدودية، وساروا على طول السياج الفاصل، وفي مخيم اليرموك بدمشق ردد المشاركون في المظاهرة بالمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ودعوا أنفسهم إلى الدفاع عن القدس والأقصى ومقاومة الاحتلال حتى تحرير فلسطين كلها، مع أن المفترض أنهم يقومون بذلك يومياً، وإلا فقدوا مبرر وجودهم وتحولوا إلى بنادق للإيجار.في السودان أقام السفير الإيراني حفل إفطار ( صحتين وهنا ) وفي الكويت كانت هناك دعوة لدعم المقاومة، وفي لبنان دعا رئيس التنظيم الناصري إلى إحياء المناسبة انطلاقا من مكانة القدس عند العرب والمسلمين، وأكد عدد من السياسيين المصريين أهمية إحياء يوم القدس العالمي، وطالبوا حكومة بلادهم بالسماح للشعب بالتظاهر، وإعلان مساندتهم للقضية الفلسطينية، وفي العراق قال النائب عدنان الشحماني، إن يوم القدس العالمي مناسبة لكل الأحرار في العالم وليس للفلسطينيين فقط، وفي موريتانيا أكدت شخصيات سياسية وحقوقية أهمية إحياء يوم القدس العالمي في العالمين العربي والإسلامي، وفي لندن قال عدد من المثقفين ورجال الدين، إن هذا اليوم يشكل محوراً لمساندة الشعب الفلسطيني، لكن فلساً واحداً لم يصل إلى الصامدين في المدينة المقدسة. لو تبرع كل متظاهر بيوم عمل، أو دولار واحد لنصرة المقدسيين، لكان ممكناً توسعة مستشفى المقاصد المحتاج لمبلغ عشرة ملايين دولار للتوسع، وحماية العقار الذي سيشتريه لأغراض التوسع، من الإنتقال إلى إسرائيليين يدفعون ثمناً له، عشرات أضعاف ما سيدفعه مستشفى المقاصد، خصوصاً وأن صندوق القدس في الجامعة العربية لايمتلك هذا المبلغ، رغم الوعود بمئات الملايين التي ظلت للاسف وعوداً غير قابلة للصرف، مثلها مثل مظاهرات القدس في يومها الذي أطلقها الخميني، ويتبناها اليوم ورثة فكره، ابتداءً بحزب الله، ومروراً بحماس وفصائل التمنع، وانتهاءً بالشيخ حسن نصر الله ، دون أن يكلفهم الاحتفال نقطة دم أو فلساً واحداً لنصرة صمود المقدسيين.
خارج الحدود: يوم القدس.. صراخ ولا أفعال
نشر في: 5 سبتمبر, 2010: 08:40 م