رشيد غويلب
اذا كانت الامبريالية "احدث مراحل الرسمالية" وهو العنوان الاصلي لكتاب لينين المعروف "الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية "، فان قطاع غزة وعموم المناطق الفلسطينية المحتلة تمثل احدث محطة للنفاق الامبريالي. هذا ما اكده خطاب الرئيس الامريكي جو بايدن ،
"خطاب حالة الاتحاد"، الذي القاه في السابع من اذار الجاري. يمكن القول ان الموضوعة المركزية في الخطاب افادت بان الحرب والإبادة الجماعية و العسكرة هي الطريقة الامريكية المثلى للتعامل مع الازمات من غزة إلى أوكرانيا، وفي جميع صراعات الهيمنة الدائرة في العالم، وليس هناك ما يلوح في الافق بشأن امكانية نهاية دورة الموت والتدمير التي تحركها المراكز الامبريالية المتصارعة في عالم اليوم، والتي تسعى فيها الامبريالية الامريكية الى الحفاظ على موقع الصدارة، التي لا تزال تتمتع فبه.
ولا يغير من هذه الحقيقة قمصان السلام التي ارتدها نساء مؤسسة الحزب الديمقراطي الامريكي قبيل القاء الخطاب، واحتفال العالم بالثامن اذار، يوم المرأة العالمي. لان الممارسة هي المحك ولا شيء غيرها، فلن يتغير شكل وطعم القتل سواء مارسه الرجال ام النساء لان نتائجه معروفة، قتل المزيد من البشر نساءً رجالا واطفالا ، وتدمير مدن وبلدان، ومحو افاق مستقبل الحد الأدنى. والحركة النسوية الحقيقية هي حركة سلام وحياة متجددة تبنيها وتتطور فيها، اما الدعوة للحرب والتواطؤ مع الابادة الشعوب، فبعيدة عن طابع الحركة وتاريخها النضالي ومن العار عدم سماع صرخات الضحايا والملايين الذين ينهضون للدفاع عنهم، مطالبين بالوقف الفوري لحروب الابادة، والتوقف عن ارسال القنابل لقتل الشعوب.
في بداية خطابة دعا بايدن مجددا لمزيد من الأموال لإدامة ماكينة الحرب في أوكرانيا. متناسيا ان مرور عامين على الغزو الروسي لأوكرانيا، كان مصحوبا بأنفاق أكثر من مائة مليار دولار، وخسارة مئات الالاف من الأرواح، وعلى الرغم من ذلك ظل السلام بعيدا عن الشعبين الأوكراني والروسي وباقي شعوب المنطقة. وان السلام لا يصنعه التفوق العسكري المفقود في الحالة الأوكرانية اصلا، ولا شركات السلاح واللوبي الداعم لها. والتجربة العالمية تقول بوضوح لا لبس فيه، ان ايقاف الحرب، والدبلوماسية والحوار، والارادة السياسية التي تضع الانسان في مركز اهتمامها هي التي تفتح الطريق لحلول دائمة ومستقرة.
واعاد بايدن( الى ) الاذهان الاسطوانة الامريكية المكررة عن " الحاجة إلى حماية الديمقراطية"، في وقت تتجاهل فيه الولايات المتحدة بوقاحتها المعهودة مواقف اغلبية بلدان العالم في الامم المتحدة وخارجها، التي تصر على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، بما في ذلك ناخبي الحزب الديمقراطي. وبايدن هنا يتجاهل حتى اوساط واسعة من ناخبيه، سيكون بأمس الحاجة لأصواتهم في قادم الايام.
الى جانب "حماية الديمقراطية"، وعد بايدن أيضًا بحماية البيئة، ومرة اخرى يتناسى الرئيس الامريكي الدور المحوري للحروب والعسكرة في تدمير البيئة، والجيش الأمريكي أحد أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، ومساهم اساسي في انبعاثات الغازات السامة، وبدلا من الاستثمار في الطاقة المتجددة ودعم التحول البيئي ، تهدر موارد هائلة على الحروب والعسكرة والصراعات التي تدمر كوكبنا ، وتعمق كارثة المناخ.
ومن الطبيعي بالنسبة للرئيس الامريكي الدفاع عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة. لقد حاول إضفاء الشرعية على ابادة اسرائيل للشعب الفلسطيني استنادا الى منطلقات عنصرية استيطانية سبقت وصاحب تأسيس دولة الاحتلال، بحجة حق الدفاع عن النفس سيء الصيت وحق الرد على هجوم 7 تشرين الاول الذي قامت به حماس. وبعيدا عن محاولة نشر الاوهام وماكينة التضليل الامريكية، فإن الموت اليومي والجماعي المستمر في غزة، غير قابل للتبرير تحت يافطة التحالفات الاستراتيجية ومصالح الامن الامريكي العليا، فالإبادة الجماعية والتطهير العرقي لا يمكن تبريرهما لا في السابق ولا في القرن الحادي والعشرين.
ويبدو رد بايدن الأخير على جرائم الابادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل هو بناء ميناء "مؤقت" قبالة سواحل غزة لجلب المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر. لكن الميناء المؤقت سيكون نقطة عاجزة في بحر الموت والدمار المستمرين بالمال والسلاح الامريكي، وبالتالي لا بديل لوقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل، اما التظاهر بالاهتمام بحياة الفلسطينيين، فلا قيمة له ومكشوف منذ عقود مضت.
لا شك ان وسائل اعلام المؤسسات السائدة في الولايات المتحدة وبلدان المعسكر الغربي ركزت على اشارت بايدن بأن الحرب والإبادة الجماعية والنزعة العسكرية لا تزال على رأس جدول الأعمال، وان هذا كما يكتشف الرئيس سيكلف الجميع غاليا. وان عليه أن يستمع إلى مطالب الشعب: وقف عسكرة حدود الولايات المتحدة، ووقف الحصار غير الإنساني الذي يؤدي إلى تجويع الناس. وستؤكد وسائل الاعلام هذه، بان خطاب بايدن كان قويا وايجابيا، ولكن ذلك لا يصمد امام ما يجري، والتاريخ يعلمنا ان البلدان التي تعتمد على موت وتدمير الشعوب الاخرى، هي بلدان ضعيفة، والولايات المتحدة ليست استثناءً.