د. فالح الحمراني
نُقل عن أحد الساسة الإنجليز بعد انقلاب الثامن شباط 1963 الأسود ما معناه لقد أريقت الكثير من الدماء على أرض العراق، ولكن والحمد لله لم ترق عبثا أي قطرة نفط، والنفط هو هبة الله والطبيعة لسكان العراق كي يكون مصدر رخاء لهم والعيش بكرامة وتوظيفه للتطوير والتقدم الاقتصادي والإنساني وتصفية الأمراض والأوبئة والفقر وبناء مدن عامرة وتربية شعب متعلم وحضاري... إلخ،
ولكن ما زال النفط مصدرا للنزاعات والتفرقة، ويتردد الآن بأنه في ظل سياسة المحاصصة التي أمست بديلا لمبدا الديمقراطية التوافقية، فإن نسبة كبيرة من عوائد النفط تذهب بعيدا عن موازنة الدولة في جيوب البطانات والمراكز والأحزاب والتجمعات خارج الدولة، والحكومات المتعاقبة لم تستخدم عوائده بالصورة المطلوبة، ولم تتحكم به كثروة وطنية لأهداف إستراتيجية، وضمن هذا السياق قررت ترجمة المادة التالية التي نشرت بالروسية لتكون مثال على طرق استعمال عوائد النفط لتعود بالنفع والخير على الدولة، ودولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا يستحق الدراسة في سياسة الإفادة من الثروة الوطنية الأساسية لتصب في صالح المواطن العراقي، ففي نهاية المطاف ينبغي أن يكون نفط العراق لشعب العراق برمته ولكل مواطن حصة فيه:
تنظر قيادة الأمارات في غضون السنوات العشر الماضية إلى تكثيف النشاط الاستثماري في الأسواق الخارجية، بمثابة حجر الزاوية في استراتيجية أبو ظبي الاجتماعية والاقتصادية بمجملها. وتهدف أبو ظبي إلى تحقيق أقصى قدر من التوازن في الهيكل الاقتصادي حتى عام 2030، عن طريق تنمية القطاع غير النفطي والتخلص من الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد.
وكجزء من هذه الاستراتيجية، تعمل دولة الإمارات على تعزيز التعددية القطبية في المجالين السياسي والاقتصادي، وتسعى إلى الاستخدام الأمثل لعائدات النفط والغاز وتفعيل الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا والصناعات الاستراتيجية، وبشكل متزايد في الأسواق الخارجية.
ومن السمات الجديدة للنشاط الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة، الاهتمام المتزايد بالسوق الأوروبية، خاصة في سياق النزاع الأوكراني، الذي أدى إلى إضعاف الاقتصاد الأوروبي وقدرته التنافسية، مما سمح لدولة الإمارات أن تشري بشكل مكثف الأصول والاستثمار طويلة الأمد في الأسواق الأوروبية.
ويقبل الرأسمال الإماراتي في أوروبا أكثر على قطاعات العقارات والتمويل والمصارف والتكنولوجيا والابتكار والسياحة والبنية التحتية.
ويعمل المستثمرون الإماراتيون وعلى وجه الخصوص صندوق السيادة القريب من الدولة، في القطاع العقاري، ويعمل المطورون، المتخصصون بالنظم الإلكترونية، بنشاط في الأسواق الواعدة في العواصم الأوروبية الرائدة. ووظف صندوق الاستثمار الوطني "مبادلة" مع شركة التطوير الإماراتية "الدار"، في نهاية العام الماضي، استثمارات بحوالي مليار دولار في منصة إقراض عقارية أوروبية خاصة، ووضعت الشركتان الرهان على نمو سنوي لرأس المال قدره 2 مليار دولار. وفي فبراير 2024، أعلنت "الدار" عن مشروع جديد آخر في أوروبا، حيث ستستثمر الشركة 100 مليون دولار إضافية وتقتني بكلفة 291 مليون أصول شركة لندن سكوير المطورة في لندن، وبذلك تكون قد أكملت أول عملية اندماج واستحواذ لها خارج منطقة الشرق الأوسط.
وفي القطاع المالي، ظلت سياسة الإمارات العربية المتحدة منذ فترة طويلة تهدف للاندماج والتكامل مع الأسواق الأوروبية. و حصلت أبو ظبي في عام 2021، على عضوية البنك الأوروبي للإعادة الإعمار والتنمية، ورغم من حصتها المتواضعة للغاية كمساهم، فإن الإمكانات الاستثمارية لدولة الإمارات مماثلة لتلك التي يتمتع بها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ككل، لذلك يمكن اعتبار هذا التكامل تحالفا استراتيجيا لشركاء متساوين في الحقوق والواجبات. ورغم مقاومة عدد من المنظمات الأوروبية غير الحكومية التي روجت لقضايا حقوق الإنسان كحجة لمنع الإمارات من أن تصبح مساهماً في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فقد تم اتخاذ القرار لصالح أبو ظبي. ومع نهاية عام 2023، قُدرت القيمة الإجمالية للأصول الاستثمارية المشتركة لدولة الإمارات والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بنحو 3.3 مليار دولار، وفي هذه السلة تبلغ الإمكانات الاستثمارية لإمارة أبو ظبي 1.74 مليار دولار (53%). وقد تم توجيه الجزء الأكبر من الاستثمارات الإماراتية من خلال البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في الأشهر الأخيرة إلى البلدان التالية: تركيا، ومصر، وتركمنستان، وأذربيجان. ويظهر التحليل القطاعي أن الاستثمارات تمت بشكل رئيسي في مجالات الصناعة والتجارة والأعمال التجارية الزراعية والبنية التحتية المستدامة والمؤسسات المالية. وعلى هذا النحو تمكنت الإمارات من خلال ضخ استثمارات كبيرة، في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، من خلق أداة تأثير مهمة على سياسة الاستثمار وجدول أعمال هذه المؤسسة المصرفية الأوروبية ذات الأهمية الكبرى.
وفي مجال التكنولوجيا والابتكار، أبدت أبوظبي مؤخراً اهتماماً متزايداً بالشركات الأوروبية الناشئة startup company في مجال التكنولوجيا، لا سيما تلك المتخصصة في مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والاهتمام الاصطناعي. وتقوم سياسية صندوق الثروة السيادية الذي يعمل تحت رعاية الدولة في هذا المجال على شراء براءات الاختراع والتراخيص للتكنولوجيات المتقدمة ويعتبرها جزء مهم من استراتيجيه. كما تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط في جذب الموارد الفكرية والبشرية القيمة من أوروبا، وإنشاء منح جذابة وبرامج أخرى للشباب الموهوبين.
وفي مجال السياحة، تستثمر دولة الإمارات العربية المتحدة في القطاع المتميز من السياحة الأوروبية، بما في ذلك الفنادق والبنية التحتية السياحية الأخرى، منذ فترة طويلة. وفي قطاع البنية التحتية، يقوم المستثمرون من أبو ظبي بأكبر الاستثمارات في تطوير نظام النقل الأوروبي والإسكان والخدمات المجتمعية والطاقة المتجددة.
يُشار إلى أنه بالإضافة إلى المجالات التقليدية المذكورة أعلاه لتطبيق رأس المال الاستثماري الإماراتي في أوروبا، فقد كان هناك منذ بداية عام 2024 اهتمام نشط باختراق أسواق أكثر استراتيجية للدول الأوروبية، بما في ذلك الطاقة والبنية التحتية والصناعة، وخاصة قطاع الطاقة النووية. وفي بداية شهر مارس، وأصبح من المعروف أن جولة معينة من المفاوضات ستعقد تحديداً بشأن الاستثمارات في الطاقة النووية. وعلى خلفية الانخفاض الكبير في التعاون بين بروكسل وروسيا سواء في مجال الغاز أو في المجال النووي، يبحث الساسة الأوروبيون بشدة عن سبل لتنويع إمدادات الطاقة، سواء على المستوى الجغرافي أو حسب القطاع. وفي هذا الصدد، فإن توسيع إمكانات الطاقة النووية يمكن أن يصبح عامل استقرار مهم للاقتصاد الأوروبي. ونظراً لحساسية الموضوع، لا يتم الإعلان عن المفاوضات مع أبو ظبي، فهي لا تزال ذات طبيعة خاصة، ولكنها جارية بنشاط.
إن اقتصادات الدول الأوروبية الرائدة، وخاصة ألمانيا وفرنسا، تعاني الآن من الركود وتحتاج بشكل متزايد إلى استثمارات واسعة النطاق للحفاظ على مسار نموها. ومن الإشارات البارزة على هذه الخلفية التوقيع مؤخراً بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة على مذكرة تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، والذي تم في ديسمبر 2023 على هامش قمة المناخ في دبي. وفي المنتدى نفسه، تعهدت 20 دولة بشكل مشترك بزيادة الإنتاج العالمي من الطاقة النووية في العالم حتى عام 2050 كمصدر مهم بديل للطاقة عن الهيدروكربونات.