طالب عبد العزيز
مدينة متحضرة، بحراك ثقافي، ومجتمع مدني بلا القاب، وفيها نشاط سياسي مختلف. هكذا، كانت صورة البصرة عند الداخلين عليها من العراقيين وغيرهم، لذلك ظلت مقصداً للتجار والمثقفين والباحثين عن العيش الكريم خارج محددات الدين والطائفة واللون والانتماء القبلي وغيره، وعلى وفق الصورة الوردية هذه كان كوكب حمزة قد آثرالبقاء في البصرة، بداية ستينيات القرن الماضي مع من آثر واتخذها مقاماً.
كان الكاتب والقاضي البغدادي محمود العطبة(1922-1986) في كراسةٍ صغيرة، بعنوان(أدباء معاصرون بين بغداد والبصرة)قد أتى على ذكر شيءٍ من ذلك، وأحصى عدداً كبيراً ممن تردد أو أقام في البصرة. ويطلعنا مرورنا على مقبرة الحسن البصري، بالزبير على شواهد قبور عدد غير قليل من الولاة والامراء والقضاة والشعراء، من غير البصريين مثل متسلم البصرة القاضي سليمان فيضي والقاضي نور الدين الانصاري والشاعر عبد الغفار الأخرس وغيرهم. وحين نلمس سجلات النفوس بأصبع محايدة ستقودنا الى قراءة مئات الأسماء التي أضاءت ثقافة المدينة.
تأملتُ ملياً صورة الفنان كوكب حمزة مع الفنانة سيتا هاكوبيان. الصورة ملتقطة في العام 1969، أي بعد سنة من انقلاب العام 68 حيث يبدوان كما لو أنهما في تهيئة للحن أوليٍّ، غير مشغولين بما يترصدهما فيما بعد، وربما كانت الصورة قد التقطت في حدائق المعقل، أو في نادي الفنون، ولعلها ضمن بروفة أغنية (زغيره كنت وانت زغيرون). سيتا التي جاءت البصرة مع عائلتها، هاربين من مجازر الارمن، على يد العثمانيين، وكوكب الذي جاءها من قرية صغيرة على الفرات(القاسم) كان أجداده قد انحدروا لها من جبل على الحدود، وهكذا، فهم مثل اهل البصرة كلهم، لا يحملون ديناً قاهراً، ولا طائفةً ملوثة، ولا حزباً فاشياً... إنما ينوؤون بحمل جبل من الوعي والشباب والجمال والوفاء.
في العام 1970-1971 يؤسس فنانو البصرة من الشيوعيين تحديداً فرقة الطريق، الفرقة التي قدمت (بيادر الخير) أول أوبريت غنائي عراقي، وفي تظاهرة فنية، غير مسبوقة، تدهش الوسط المثقف في بغداد ستقدم العمل على مسرح قاعة الخلد، بحضور كبار المؤسسة السياسية والثقافية الحزبية، بما أدهش وأثار حفيظة صدام حسين نفسه. في الفرقة هذه انسجمت أرواح المجموعة المؤسسة، التي التقت تحت خيمة حب الناس، وعلى طريق البحث عن مشتركات وطنية تضم الجميع، فصيغت كلمات والحان الاغاني والرقصات بقالب قصصي هو الاجمل، وبعفوية لا تصدق. ما قدمته فرقة الطريق في بيادر الخير، الذي حاكي ثنائية الفلاح مع الاقطاع دعاهم الى عمل أوبريت ثانٍ هو الاجمل(المطرقة) حاكي هو الآخر قصة العامل مع المستغِل.
من شاء استعادة المدينة فليبحث عن ثقافتها في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وليدخل نادي الفنون او نادي المعقل وليسهر افتراضياً في إحدى قاعاتها الفنية. يقول كوكب بأنَّ انطلاقته كانت سنة 1965 من البصرة، وأنه لم يشعر بالغربة فيها. ربما يكون الخوض في اسماء الذين جاءوا المدينة من مدن أخرى صعباً الآن، لكنَّ الذين دخلوها محبيّن، عاشقين الحياة فيها أثْروا ثقافتها، والحياة فيها ايضاً، بعد أنْ وجدوا ضالتهم فيها. الثقافة والفنون لا تنبت في أرض تقاطعت أديانها وطوائفها وقبائلها. سرٌّ من اسرار المدينة أنها ليست خصيصة مخلوق بعينه، ولا نزوع محدد، فلا يفاخر أحدٌ فيها بلقب وعنوان، وما محاولات البعض في جرها الى مشرب معين إلا لأنها ضاقت عليهم ومن يريد أن ينفي عنها صبغتها المدنية والثقافية فهو ليس من أهلها.
يتحدث البعض عن نقل جثمان الفنان كوكب حمزة من البلد الذي توفي فيه الى مدينته بابل، وهو حق طبيعي لأهله. لكننا نقول بأنه عشق البصرة، فلتكن مثوى لجسده.
جميع التعليقات 1
كاظم مصطفى
هي البصره التي كانت فيحاء وثغر العراق الباسم قبل ان تتفحم بهجرة غالبية اهلها بعد الغزو الديموكرافيك من الاهوار وعشائر يتقاتلون بسبب سدرة نبق خرج الجمال والطيبه والسلام ودخل القبح والظلام