باسم عبد الحميد حمودي "الكدية" عمل بشري قديم، ربما مارسه الإنسان في هذه الأرض للمرة الأولى بدافع الحاجة الحقيقية أيام الجوع والنكبات الاقتصادية العامة والحروب الطاحنة التي قد لا يجد فيها المتسول اضطراراً، كما لا يجد سبيلاً للحصول على غذائه وأطفاله الا هذا السبيل الذي يمقته وقد يشعر بالعار لـ(ارتكابه).
أكثر المتسولين نجاحاً غاب عنهم هذا الإحساس فهم لا يستحون من التسول، وغدت الكدية – الجدية– الجداوة – عندهم مهنة مثل أي مهنة، وكل ما عليهم هو أن يصطنعوا لهم هيئة تقنع الآخرين باستحقاقهم المساعدة استغل المكدون قديما المناسبات الدينية لعرض فنونهم الخاصة وإمكاناتهم في عروضهم الجديرة بالتأمل والدهشة، وخصوصاً في رمضان الأمس.يروي الجاحظ في (البخلاء) الكثير من الأعيب الكدية فمنهم الاقور ومنهم الاعمى وهو بصير فعلا لكنه يتظاهر بفقدان البصر والحاجة الى المعونة، ومنهم الكسيح الذي لاكساح لديه سوى في مظهره.. وهكذا.بعض غلاظ القلوب من المشرفين على مافيات المافيا القديمة للكدية يعمدون الى سرقة الأطفال والصبايا وتدريبهم قسراً على الكدية ومن خالف منهم يقتل دون شك،وبعض القائمين على هذه التشكيلات الخاصة بالكدية يعمد الى كسر قدم او يد او تعطيل عين بعض التابعين له ليغدو منظره أكثر أثراً، وهكذا تكون الكدية فنا له إخراجه الخاص ومنتجيه ووسائله الكفيلة بالإقناع.ذلك لا يعني بالطبع "المكدين" الحقيقيين الذين هم في حاجة فعلية للتسول طلبا للطعام والاكساء، وهؤلاء لا يقدمون فنا بل ضراعات تدعو لمن يتسولون منهم عند أبواب المساجد والحواري بالخير العميم، لكن بعضهم يستمرئ حاجته هذه فيصحب طفله الى ساحة العمل فتختلط الرؤية عند ( المتلقي ) الذي هو المعطي فما أن يزيد العطاء أو يشك بالأمر كله فيخفي ما قرر ان يعطيه، لكن الظاهر ان المكدي عموما قد نجح في كل الأزمان أن يسحب المتلقي الذي يعطي وهو مقتنع بـ(العرض) الذي قدمه المتسول أو المتسولة، وكل رمضان وانتم بخير.
رمضان الأمس:"المكدّون" وفنونهم
نشر في: 6 سبتمبر, 2010: 08:07 م