د. كاظم المقدادي
(1)
نغتنم فرصة زيارة رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة المهندس محمد شياع السوداني لواشنطن والتقائه والوفد المرافق له بالقيادة الأمريكية، والتفاوض معها بشأن ملفات مهمة وساخنة، من بينها تفعيل اتفاقية الإطار الستراتيجي ودعم إصلاحات الحكومة الاقتصادية، لنطالبه بما طالبنا به،
وغيرنا، الحكومات العراقية المتعاقبة، وهو مطالبة الإدارة الأمريكية وربيبتها إسرائيل بتعويضات مالية لما سببتاه للعراق من تدمير وخراب وتلوث إشعاعي مميت، إنتهاكاً للقانون البيئي الدولي ولسيادة العراق.علماً بان تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم..
وأدناه ما يفيد الوفد في مطالبته بحق العراق هذا:
أولآ- قصف المقاتنلات الإسرائيلية لموقع التويثة:
في 7 حزيران 1981 قام الطيران العسكري الإسرائيلي بالهجوم على مركز هيئة الطاقة النووية العراقية في التويثة،مدمراً مفاعل تموز النووي ومختبرات علمية سلمية عن بكرة أبيها، قاتلآ مدنيين أبرياء، وملوثاً المنطقة وما حولها بإشعاعات خطيرة، هددت حياة المواطنين الذين كانوا يعيشون هناك، ولم تقتصر أضرار القصف على منطقة التويثة، بل وتعدتها الى مناطق المدائن وجسر ديالى ومعسكر الرشيد، وغيرها، والتي ومات المئات من سكانها بالسرطان.
علماً بان مجلس الأمن الدولي كان قد أصدر القرار رقم 487 الذي اعتمده بالإجماع في 19/6/ 1981، الخاص بالهجوم الإسرائيلي على مفاعل تموز النووي، والذي نص على أنه "من حق العراق الحصول على تعويضات عن الهجوم".وأدان المجلس بشدة الغارة العسكرية الإسرائيلية، وطالب إسرائيل بالامتناع في المستقبل عن القيام بأعمال من هذا النوع أو التهديد بها"..فلابد ان تحتفظ وزارة الخارجية العراقية بكافة الحيثيات.
ثانياً- تلويث البيئة العراقية بالسموم القاتلة:
إستخدمت القوات الأمريكية وحليفاتها في حربين مدمرتين على العراق، في عامي 1991 و 2003، أحدث أسلحة الدمار والفتك المصنعة من نفايات نووية خطيرة، سميت "اليورانيوم المنضب"،وهي تسمية خبيثة ليقولوا، وفعلآ قالوا، بأنها "ليست خطيرة" على البيئة والصحة.,وقصفت بها حتى المناطق السكنية المكتضة بالسكان، ونشرت الإشعاع الناجم عن إستخدامها في كافة أرجاء العراق، والذي سبب كوارث بيئية وصحية لا مثيل لها.
لقد قدر خبراء ومؤسسات مختصة كمية ما إستخدمته القوات الأمريكية وحليفاتها من ذخائر اليورانيوم على العراق بنحو 3000 طنا مترياً ، وهو ما يعادل 250 قنبلة ذرية من القنابل التي أُلقتها أمريكا على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية.
وعدا أسلحة اليورانيوم إستخدمت القوات الأمريكية أسلحة الفسفور الأبيض المحرمة دولياً.
وخلفت قوات التحالف ضد العراق في الأراضي العراقية اكم هائل من المعدات الحربية المضروبة بقذائف اليورانيوم، وكذلك اَلاف القنابل والصواريخ غير المنفجرة،بالأضافة الى ملايين الألغام الأرضية.
وعدا هذا، خلفت وحدات الجيش الأمريكي في البيئة العراقية شتى الملوثات الخطرة، حيث جاء في تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، اصدره فريق من الباحثين الاميركيين في "مركز دراسات الحرب" في نيوبورت بالولايات المتحدة، ونشرت صحيفة "USA Today" مقتطفات منه في عام 2011، ان الغبار في العراق يحتوي على (37) نوعا من المعادن ذات الثأثير الخطير على الصحة العامة، فضلا عن (147) نوعا مختلفا من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض. وأكد خبراء بيئيون إن الجيش الاميركي لم ينقل معه عند رحيله من العراق مخلفاته الخطرة، وإنما طمرها في الأراضي العراقية .
وهكذا، تحولت البيئة العراقية الى إحدى اكثر بيئات المنطقة تلوثا من جراء الحروب ومخلفاتها،وأكد علماء البيئة ان تأثير استخدام ذخائر اليورانيوم والطائرات الحربية والدبابات والقذائف المضادة للدروع والقنابل الخاصة باختراق الملاجيء تسببت في آثار خطيرة على البيئة وعلى صحة وحياة العراقيين ,
ثالثاً- -دراسات أثبتت إنتشار التلوث الإشعاعي الخطير
أثبتت دراسات علمية عراقية ودولية إنتشار التلوث الإشعاعي في أرجاء العراق، ومنها، على سبيل المثال:
1ــ في عام 1996 أُجريت دراسة تقييم المخاطر الصحية لمنطقة مكتظة بالسكان تبلغ مساحتها نحو 1200 كم2، وتشمل مدن صفوان والزبير وغرب البصرة، والتي تعرضت لجرعات إشعاعية عالية بسبب تلوث اليورانيوم المنضب. وأوضحت نتائجها أن أهم مصدر للتعرض الإشعاعي في منطقة الدراسة هو استنشاق هباء اليورانيوم المنضّب وأكاسيده خلال الأشهر الأولى من العمليات العسكرية لعام 1991. ووُجد أن قيمة الجرعات السنوية الفعالة الناتجة من هذا المسار بلغت 435 ملّي سيفَرت تعرّضت لها القوات المسلحة العراقية في هذه المنطقة، وقرابة 167 ملّي سيفَرت تعرّض لها السكان في مدينة صفوان. كما بلغ إجمالي الجرعة الفعالة السنوية التي تعرض لها السكان في مدينتي الزبير وغرب البصرة بحدود 268.6 ملّي سيفَرت.
2ــ في اَيار 2003 فحص الأمريكي سكوت بترسون بأجهزة حديثة وحساسة جداً دبابات عراقية مضروبة بذخيرة اليورانيوم المنضب في بغداد، ووجد تلوثها بالإشعاع بمستوى 1000 الى 10 اَلاف مرة عن الحد المسموح به دولياً .
3ــ في أيلول- تشرين الأول 2003 ،أي 5 أشهر عقب توقف العمليات العسكرية لغزو العراق، أجرى فريق علمي متخصص بالإشعاع والطب الذري، تابع لـ"مركز أبحاث طب اليورانيوم" (UMRC)[5]، دراسة إشعاعية ميدانية واسعة شملت بغداد وضواحيها وكافة مدن وسط وجنوب العراق الى أطراف البصرة.
وقد وجد الفريق العلمي برئاسة العالم الكندي تيد ويمان وعضوية العالم الألماني سيغفرت- هورست غونتر والعالم العراقي محمد الشيخلي والعالم الألماني شوط ، إنتشار الإشعاع في أرجاء العراق وبسمتويات تعدت المستوى المسموح به دوليا بـ 10- 30 ألف مرة. ووجد الإشعاع في الهواء والتربة وفي جثث الجنود المطمورة تحت الأنقاض وفي معمل ثلج وفي الأشجار،إضافة الى الدبابات والمدرعات والمركبات والمدافع والدشم التي قصفت بأسلحة اليورانيوم.وقد أصيب أثنان من العلماء بأعؤاض التلوث الإشعاعي الحاد رغم أنهما لم يمكثا بالمنطقة أكثر من إسبوعين.
4ــ في عام 2005، وجد المهندس خاجاك وارتانيان في مدينة البصرة أكثر من 100 موقعاً ملوثاً بإشعاع اليورانيوم المنضب، ضمت حديد سكراب لمعدات عسكرية مضروبة وذخائر حربية مستخدمة، وغيرها. وحذر بشدة من إحتمال إنتقال الأشعاعات الى المواطنين في مناطق أخرى عبر نقل وإستخدام السكراب.
5ــ أكدت صحيفة "بيبليت" الفرنسية بالأستناد الى خبراء ان كمية الذخيرة المشعة الملقاة من قبل القوات الاميركية على العراق تفوق تلك المرمية على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية..ولفتت الصحيفة الى ان احتواء الاسلحة المستخدمة في العراق على اليورانيوم المنضب سيؤدي الى سقوط ضحايا حتى بعد 20 عاما من الهجمات.
6ــ خلفت الحرب أطلال من أكداس الحديد السكراب (الخردة)، التي هي عبارة عن بقايا آليات ومدرعات ومدافع ودبابات ومعدات عسكرية أخرى، مختلفة الأحجام، وقد تم قصفها بأسلحة اليورانيوم في حربي عامي 1991 و 2003، وكانت تنتشر في أرجاء العراق لسنوات عديدة،وتم جمعها في أماكن بعيدة عن المناطق السكنية، لكنها مكشوفة، فنقلت الرياح إشعاعاتها الى المناطق المجاورة وسكانها وتنفسوا جزيئاتها. وأكد العلماء ان تأثيراتها ليست محدودة في المناطق المنشرة فيها، وإنما تطال المناطق البعيدة عنها .
خلاصة القول: أحدث إستخدام أسلحة اليورانيوم تهديداً كبيراً للبيئة العراقية والسكان.ومرد التهديد هو التلوث الناتج عن استخدام تلك الاسلحة ذات السمية العالية وبكميات هائلة، وهي ذخائر مصنعة من نفايات نووية خطيرة، من أنواع اليورانيوم ومواد أخرى شديدة الإشعاع، يولد انفجارها في الهدف(الدبابة مثلآ) سحابة في الهواء مكونة من ترليونات دقائق أوكاسيد اليورانيوم الصغيرة جداً، التي تنتقل للبشر عبر التنفس وتناول الأغذية الملوثة بها، فتدمر الجسم بكامله، وهي التي تصهر الحديد والصلب وتجعل جسم الإنسان متفحماً عند التأثير المباشر.
وثمة حقيقة معروفة وهي أثناء المعارك , وفي خضم ما يتعرض له المجتمع من معانات وخسائر , غالباً ما تنسى التأثيرات البيئية الناتجة من هذه المعارك , ولكن هذه التأثيرات ستبقى مستمرة لسنين بعد انتهاء المعارك.
ــ أكاديمي عراقي متقاعد، متخصص بالأضرار البيولوجية لأستخدام أسلحة اليورانيوم