السماوة / أحمد ناصر
في مدينة السماوة التي تغفو على شاطئ الفرات، مكتبة الطليعة بقيت صامدة أمام تطور تقنيات الاجهزة الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن صاحبها عبد الرزاق محمد أبو إيناس قد اجتزأ من مساحة المكتبة مساحة صارت فيما بعد دكانا لمهنة جديدة، إلا أن يافطة المكتبة (مكتبة الطليعة) ماتزال تزين الواجهة المزججة والمؤطرة بالخشب الصاج التي تعرض الكتب، لاسيما الكتب القديمة.
كانت هذه المكتبة وإلى نهاية العقد التسعيني تزدحم بقرّاء الصحف لاسيما قرّاء الصحف الرياضية إذ كان الناس ينتظرون وبشغف وصول الصحف المخصصة إلى السماوة، ليقفوا بطابور طويل منتظرين الحصول على نسخهم من الصحف اليومية.
كانت الأجساد الهزيلة المتعبة والمهمومة بمشكلاتها وحاجاتها اليومية تقرأ ، رغم كل شيء تقرأ ما يتيسر لها من معلومات تتيحها السلطة الحاكمة، التي كانت تتحكم بذائقة القرّاء وكل شيء في الحياة، ما اكثر الوان الحياة فيها حيث يلتقي الادب والفن بأمواج شاطئ الفرات ممتزجا بملح الارض, وفي وسط المدينة شارع طويل يشطر تضاريسها الى نصفين يسمى شارع باتا, وقد شكل هذا الشارع هوية المدينة وتاريخها السياسي والثقافي والاجتماعي الثقافي والتجارية عبر تاريخها الطويل .
ان هذا الشارع يبدأ من جهته الاولى بتقاطعه مع شارع الجسر, اما جهته الثانية فتنتهي في عمق المدينة القديمة، امتداد شارع الاطباء كانت هناك اربع مكتبات، إحداهن "مكتبة الطليعة" تقع بالجانب المقابل وبالقرب من مدرسة "سومر" حيث يمتلكها الى يومنا هذا الحاج عبدالرزاق محمد ابو ايناس، يبيع الصحف اليومية التي تصدر في بغداد وعدد من الكتب واصدارات مثقفي المثنى, وهو حاد الذكاء وطيب القلب ودافئ اللسان, وعندما تقترب منه للوهلة الاولى تسمع صوته وهو ينادي بأسماء الصحف التي يفترشها امامه على الارض وهو يمتهن هذه المهنة بيع الصحف منذ عام 1974 .
وعن واقع الصحافة الورقية واقبال الناس على القراءة يقول ابو ايناس لـ(المدى): في السابق كان الاقبال على الصحافة الورقية عاليا جدا حيث وصلت نسبة بيع الصحف في السماوة في الفترات الماضية لاكثر من 1000 نسخة والسبب ان طبيعة الحياة كانت بسيطة وتقليدية ولا يوجد هذا الانفتاح وهذه الثورة في العالم الرقمي اما اليوم فان نسبة بيع الصحف في جميع مناطق السماوة لم تصل الى اكثر 100 نسخة لكل الصحف مجتمعة، وانا شخصيا ارجع هذا الفارق في اختلاف كميات البيع الى عدة اسباب منها الثورة الرقمية في عالم التكنولوجيا الذي اثر بشكل كبير على طبيعة تفكير المتلقي ونتيجة للتعقيد في الحياة اصبح القارئ يميل الى الاختصار في كل شيء بدلا من ان يطلع اكثر على تفاصيل الاخبار المملة التي كانت في السابق تستهويه فاخذ يفضل الخبر المختصر والسريع وهذا ما يجده موجودا في الفيس او النت بشكل عام اما اليوم اصبح اقتناء الصحف الورقية يمثل حالة نخبوية قسم من القراء يتابع الاخبار السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية او الرياضية وفي النهاية قراءة الصحف تكون قضية ذوقية، اذ تعاني مكتبة الطليعة وغيرها من المكتبات في مدينة السماوة من قلة روادها لان اغلبهم اعتمد على التصفح الالكتروني للصحف وقراءة الاخبار عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.