علي حسين
شاعت في الآونة الأخيرة خطابات وكتابات تسخر من مفهوم المدنية وتعتبره دخيلاً على المجتمع ،وذهب البعض إلى اتهام دعاة المدنية بأنهم يريدون نشر الكفر والرذيلة وإشاعة الفسق حسب مفهوم أحد قادة حزب الدعوة – عامر الكفيشي – ، والسؤال الذي يجب أن نطرحه في هذه المرحلة ونحن نرى الكثير من الأحزاب الدينية تحاول أن تنزع جلدها وتستبدله بجلد جديد مكتوب عليه عبارة مدني.. من هو الإنسان المدني؟
بداية علينا أن نعرّف كلمة ” مدني ” كما جاءت على لسان فلاسفة التنوير وتعني الحر، وهي مشتقة من كلمة رومانية تشير إلى الإنسان الذي يسلك سلوك أهل المدينة، ويقول إيمانويل كانط في كتابه ” ما هو التنوير ” إن : ” المواطن المدني المستنير في المجتمع المدني ، هو الذي يتحلى بالجرأة على استخدام العقل المستقل ذاتياً ، المبرأ من انحيازات عرقية أو طائفية أو دينية أو طبقية .. إلخ ، فهذه هويات خاصة طائفية جزئية . وإنما المواطن المدني عقل مستقل وهوية مدنية ”.
وقد حاول فلاسفة التنوير من جون لوك وروسو وكانط وبنتام وفولتير وستيوارت ميل ، رسم طريق حديث لبناء مجتمع متماسك متحرر من الانحيازات الطائفية والعرقية والدينية ، ومتلاحم في وحدة حضارية ووطنية ، نجد روسو ينادي بضرورة العودة إلى الطبيعة البشرية في جوهرها ، في ظل سلطة ديمقراطية وليدة اقتراع حر .. ولهذا يضع ستيورات ميل ، شرعية السلطة في المجتمع المدني رهن مواطنين أحرار متساوين يختارون بملء إرادتهم الحرة ومسؤوليتهم الواعية ، النظام الحاكم ، شرط أن يكونوا متعالين بحكم تعليمهم وتثقيفهم على الانحيازات الطبقية أو الدينية أو العرقية . .
وعلينا أن ندرك جيداً أن المجتمع المدني ليس ضد الدين ، بل هو مجتمع يتسامح مع المعتقدات والعبادات مادامت لا تتدخل في إدارة الدولة ، فهو مجتمع ضد تسلط رجال الدين وليس ضد الدين كفكرة وعقيدة ، وهو ضد تحقيق المصالح الشخصية والفئوية باسم الدين ، فرجل الدين بشر تحكمه أحياناً مصالحه وانحيازاته الشخصية. ولهذا نجد في المجتمعات المدنية وخصوصاً في الغرب كيف تتمتع الأديان بحريتها ، بدليل أن معظم رجال الدين الذين هربوا من مجتمعاتهم ” المؤمنة ” في الشرق ، يعيشون برفاهية واحترام في الغرب ” الكافر ” الذي يشتمونه على منابرهم .
تسود المجتمع المدني ثقافة خلاقة وفعالة للمواطن الذي تصوغه في المجتمع المدني ثقافة سياسية تدعم الفضائل المدنية مثل التسامح إزاء اختلاف الرأي والعقيدة ، وتحكيم العقل ومصالح المجتمع والإيمان بمسؤولية وحق الآخرين ، ورفض ومنع كامل لأي امتيازات أو انحيازات لمنصب أو عقيدة .