د. طلال ناظم الزهيري
في ظل الرغبة الحقيقية لإجراء تطوير شامل وحقيقي في مجال التعليم الجامعي في العراق من خلال البرنامج الحكومي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومع إقرارنا أن الأهداف الرئيسية للبرنامج الحكومي والمشاريع الخاصة في تنفيذها مهمة لكنها قد لا تسهم في تحقيق تقدم نوعي في مستوى التأهيل الأكاديمي في عموم الجامعات العراقية. لأن التطور الحقيقي في مسار العملية التعليمية يجب ان لا يقف عند حدود الأهداف الخمسة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تتلخص في دخول الجامعات العراقية في التصنيفات العالمية، وتوأمة حقيقية للجامعات العراقية مع الجامعات العالمية، وخفض الترهل، وتأسيس الجامعات الأهلية بمعايير وجودة عالمية وتشجيع الاستثمار في توسيع الكليات الحكومية، بل علينا ان نأخذ بنظر الاعتبار أن الموارد البشرية المؤهلة تعد أهم ركائز النمو الاقتصادي للدول فضلا عن دورها الاجتماعي والحضاري، بالتالي أن إدارة الموارد البشرية بالشكل الصحيح يمكن أن يسهم في تحقيق قفزات نوعية على مستوى التطور الصناعي والزراعي والعلمي للبلد، في المقابل فإن تراجع الاهتمام بالموارد البشرية وضعف إدارتها يمكن أن يؤدي إلى كوارث اقتصادية واجتماعية لا يحمد عقباها في مقدمة هذه الآثار البطالة والبطالة المقنعة. ولا شك أن البطالة بالنسبة لأصحاب الشهادات يمكن أن ينتج عنها آثار اجتماعية وصحية عديدة. واليوم وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من الزمن على ضعف التخطيط وتراجع الإدارة العلمية للموارد البشرية بدأت أثار هذا التخبط تظهر وبشكل واضح وجلي ولعل أهم مؤشراتها زيادة عدد العاطلين عن العمل وتخمة المؤسسات الحكومية بالعاملين دون أن يكون لمعظمهم أدوار حقيقية في المجال العملي الأمر الذي ساهم في تراجع الإنتاج وضعف جودة المنافسة الصناعية والزراعية فضلا عن ضعف الأداء المؤسسي لعموم الوزارات العراقية. هنا لا بد أن تكون لنا وقفة ومراجعة شاملة لنظام التعليم الجامعي في العراق لتوجيه الموارد البشرية بطريقة يمكن أن تسهم في تحقيق الرخاء والرفاهية لعموم المجتمع بالتعاون مع وزارة التخطيط. ولعل في مقدمة أي استراتيجية للارتقاء بالتعليم العالي في العراق يجب أن تكون متصلة ومتواصلة مع برامج التخطيط الاستراتيجي لبقية الوزارات والقطاعات. وعليه يمكن أن نعيد فلسفة التعليم الجامعي في العراق وفقا لمتطلبات سوق العمل وبما ينسجم مع البنية الاقتصادية للعراق. هذا الأمر سوف يدفعنا إلى التفكير في إعادة هيكلة العديد من الجامعات والكليات والتخصصات العلمية وفقا لمبادئ السوق. وهو أمر جيد طالما أن الغاية سوف تكون في صالح الطالب الجامعي في المحصلة النهائية. فمن غير المنطقي أن نفتخر بعدد خريجي الجامعات العراقية في الوقت الذي لا يجد اكثر من (80 %) منهم فرصة عمل في مجال تخصصه الدراسي. والسبب من وجهة نظري هو التوسع غير المدروس في عدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية دون أن نضع في خططنا توفير فرص عمل لهم مستقبلا. إن الضغط الذي سوف يمارسه هؤلاء مستقبلا على الحكومات العراقية سيكون مدمرا وينذر في أوضاع وفوضى قد تؤدي بالبلد إلى الهاوية. وأعتقد أن أمام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق فرصة أخيرة لإعادة هيكلة مؤسساتها التعليمية وفقا لاعتبارات ومتطلبات علمية تنسجم مع حاجة السوق وترفد القطاعات الحكومية والقطاع الخاص بالكفاءات العلمية والإدارية وتحد إلى أدنى حد ممكن من البطالة. وعليه يمكن أن نقدم مجموعة الأسس على شكل مقترحات قابلة للتطوير والتعديل وصولا إلى النتائج النهائية التي تصب في خدمة المجتمع:
اولاً: الغاء كليات التربية والتربية الاساسية تدريجياً وفي عموم الجامعات العراقية . والاستعاضة عنها بفتح (المعهد العالي للتربية والتعليم) وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي للعراق. الذي توكل له مهمة منح شهادة الدبلوم العالي في التربية والتعليم لحملة شهادة البكالوريوس في مختلف التخصصات العلمية والانسانية من الراغبين في العمل بالقطاع التربوي سواء على مستوى التعليم الابتدائي والمتوسط والاعدادي. علما ان اكثر من 85% على اقل تقدير من خريجي هذه الكليات لن تتاح له فرصة عمل في مجال تخصصهم على مدى العشر السنوات القادمة وفقا لاكثر المؤشرات الاحصائية تفائلا.
ثانيا: الغاء كليات الآداب تدريجيا في عموم الجامعات العراقية و التحول نمط جديد من التاهيل الأكاديمي سمته التخصص القريب مثل: كليات اللغات الغربية، وكليات اللغات الشرقية. وكليات الدراسات النفسية والاجتماعية والفلسفية. وكليات الدراسات التاريخية والجغرافية وكليات الاعلام وعلم المعلومات…الخ. وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي. مع التاكيد على اهمية تقليص الاعداد الكلية للطلبة المقبولين في عموم الدراسات الانسانية. ثالثا: تحويل كليات العلوم في عموم الجامعات العراقية الى جامعات تخصصية تحاكي تجربة الجامعة التكنولوجية وجامعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كأن تكون جامعة العلوم التطبيقية وجامعة العلوم البحته. وذلك من خلال التوسع في الاقسام الى مستوى الكليات مثل كلية العلوم الفيزياوية و كلية العلوم الحياتية و كلية العلوم الكيمياوية…الخ. وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي. وهذا الامر سوف يسهم في استثمار افضل للمختبرات والبنايات و الخبرات العلمية والتدريسية. على ان يراعى ايضا حاجة السوق في تحديد عدد الطلبة .
رابعا. دمج كليات الطب والصيدلة والاسنان في عموم الجامعات العراقية وتحويلها الى جامعات باسم جامعة العلوم الطبية والصيدلانية لتشتمل على كليات الطب و الصيدلية وطب الاسنان والطب البيطري وكلية التمريض…الخ. وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي.
خامسا : دمج كليات القانون و الادارة والاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة واحدة باسم جامعة العلوم الاجتماعية. وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي.
سادسا: دمج كليات الهندسة في جامعة العلوم الهندسية وتحويل اقسام مثل الكهرباء والمدني و الميكانيك والمواد الى كليات. وحسب الحاجة والتوزيع الجغرافي.
ان هذه المقترحات لا تتقاطع مع اي افكار اخرى غايتها الارتقاء بالتعليم والنهوض به ليكون رافد مهما لتطور البلد على المستويات والاصعدة كافة.