اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي

مثقفون: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي

جامعاتنا ورموزنا الثقافية والفكرية

نشر في: 16 إبريل, 2024: 12:19 ص

علاء المفرجي

تحرص الجامعات الكبرى في العالم على منح قيمة كبيرة للمنجز الثقافي في بلدانها، مثلما تحرص الى تضييف كبار الرموز الثقافية في البلد لإلقاء محاضرات على الطلبة كل في اختصاصه، ولإغناء تجربتهم معرفتهم واكسابهم خبرات مضافة، فضلا على خلق نموذج يستحق ان يقتدى من قبل هؤلاء الطلبة في المستقبل.
السؤال الذي توجهنا به لعدد من مثقفينا هو لماذا لا تمنح الجامعات العراقية فرصة لمثقفينا في هذا المجال، وهو الأمر الذي لا يكلفها أي عبء، سوى الفائدة التي تجنيها من وراء ذلك.. فاستضافة رمز ثقافي في الجامعة مثلا، ليدلي بخزين ثقافته ومعرفته الى الطلبة، سيعكر الحياة الجامعية مثلا.؟
وحيث نطرح السؤال لعدد من مثقفينا أولا لبيان أرائهم ووجهات نظرهم بذلك، فأننا سنلقي الكرة أيضا في ملعب الجامعة من خلال أراء المتنفذين والأساتذة في هذه الجامعات لتدافع بدورها عن رأيها.
الناقد السينمائي عدنان حسين أحمد: الجامعات العالمي لا تفعل هذا عبثًا لأنهم يدركون أهمية المبدع
دأبت الجامعات البريطانية خاصة والأوروبية بشكل عام على استضافة العديد من الأدباء والفنانين والكُتّاب المنهمكين في الشؤون الثقافية والفكرية لإلقاء محاضرات ينقلون فيها عصارة خبراتهم وتجاربهم إلى طلبة الجامعات في بلدهم الجاذب للمثقفين والمبدعين في مختلف الاختصاصات، بل أنَ الجامعات الرصينة مثل أكسفودر وكيمبرج ولندن وغيرها الكثير تذهب إلى أبعد من ذلك حينما تضيّف أدباء وفنانين ومختصين في الفنون القولية وغير القولية من مختلف بلدان العالم وتطلب منهم أن يقدّموا محاضراتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، لكي يفيدوا الجيل الحالي وتكون محاضراتهم وندواتهم الثقافية والفنية والفكرية مرجعًا للأجيال القادمة. وبما أنني عشتُ في بلدين أوروبيين وهما هولندا والمملكة المتحدة وقد رأيت رأي العين، وحضرت بنفسي العديد من هذه الأنشطة والفاعليات الأدبية والفنية والفكرية لكُتّاب وشعراء ومثقفين عراقيين وهم يقدّمون منجزاتهم الإبداعية إلى طلبة المعاهد والجامعات في كلا البلدين. ولكي لا نرجم بالغيب أجد نفسي مضطرًا لذكر بعض الأمثلة الشخصية والعامة، فذات مرة وُجهت لي الدعوة لحضور مهرجان سينمائي في مدينة باري الإيطالية حيث أفرد القائمون على المهرجان برنامجًا خاصة عن السينما العراقية وقد ارتأى الصديق والمبرمج السينمائي في حينه انتشال التميمي الذي استشاروه في اختيار ناقد سينمائي عراقي يتحدث باللغة الإنكليزية ومخرج سينمائي يتحدث باللغة الفرنسية لكي نتحدث عن العلامات الفارقة في السينما العراقية. وقد وقع الاختيار عليّ وعلى الراحل عامر علوان، وكم كانت دهشتي كبيرة حينما شاهدت بأُم عيني أساتذة المعهد السينمائي وطلبتهم من مختلف الاختصاصات، وهم يستمعون إلينا بشغف كبير ونحن نتحدث عن تاريخ السينما العراقية على قلّة إنتاجها وبساطته إن جاز التعبير. وقد يستغرب البعض أن عدد الحضور من الطلبة مع أساتذتهم قد جاوز الـ 500 شخص وهم يرهفون السمع إلى ناقد سينمائي عراقي قدِم من هولندا وهو كاتب هذه السطور، والمخرج العراقي الذي جاءهم من باريس وهو عامر علوان (طاب مثوىً). لا يقتصر الأمر على إلقاء المحاضرات فقط فقد تمت دعوة الأديبَين العراقيين نجيب المانع والدكتور صلاح نيازي لتقديم محاضرات في الترجمة في جامعة أسكتلندية لمدة شهر تقريبًا كانوا فيها على صلة مباشرة مع طلبة قسم الترجمة في الجامعة المذكورة أعلاه. كما شاهدت الشاعر عدنان الصائغ وهو يحمل أعماله الشعرية الكاملة بحجم قاموس "المورد" ويقرأ بعض قصائده للطلبة في أكثر من جامعة مشهورة في المملكة المتحدة توثق لهذه القراءات الشعرية. وهم لا يفعلون هذا عبثًا لأنهم يدركون أهمية المبدع سواء أكان بريطانيًا أم قادمًا من وراء الحدود.
الناقد والشاعرعلي فواز: التاريخ المغلق للمؤسسة الجامعية لم يعد مقبولا، فهو يحتاج الى مراجعة نقدية.
ارتبط التاريخ المؤسسي للجامعات العراقية بنمط مغلق من "التعليم المتعالي" الذي فرض سلطته على هوية الجامعة والتعليم، وهذا التوصيف جعلها مؤسسة صارمة في سياساتها وبرامجها، بنمطٍتعليمي بعيد عن وقائع الحياة الثقافية ومتغيراته، ولا يثق بمعطى أيِّ تحوّل ثقافي- معرفي أونقدي- يحدث خارج اسوار الجامعة، وهذا جعلها تنأى بنظامها المؤسسي عن اغلب التحولات و" الثورات" التي استغرقت الواقع الثقافي الصاخب بصراعاته واسئلته، بدءا من الستينيات والى وقت قريب، حتى بات "المعلم" الجامعي يضع نفسه وخطابه في اطار "منهجي" لها قياسه الضاغط، وحدوده التي صنعت لنفسها جهازا مفاهيميا، واليات عمل انعكست بشكل قسريعلى فضاء الدرس، وعلى شروط كتابة انماط الرسائل والاطاريح، والقبول بالدرس الخارجي..
هذا التاريخ المغلق للمؤسسة الجامعية لم يعد مقبولا، فهو يحتاج اليوم الى مراجعة نقدية، والى سترايجيات تجعلها أكثر تصديا لمتغيرات الواقع العراقي، والى التفاعل مع استحقاقاته التاريخية والمعرفية، وبهدف الارتقاء بالعملية التعليمية لتكون جزءا من العملية التنموية، ومن فواعل الأمن الثقافي، على مستوى جعل البيئة الجامعية اكثر استجابة لمقتضيات التحول السياسي والاجتماعي والثقافي، وعلى مستوى الانفتاح على الفضاء الثقافي المدني، وباتجاه جعل الجامعة مختبرا علميا ومعرفيا للتجريب والتجديد، وعلى وفق آليات علمية تتطور معها المناهج والافكار والمفاهيم، وتغتني فيها التجارب العلمية. هذه الدعوة لا تأتي عفو الخاطر، بل تتطلب وجود الاستعدادات، والوعيالنقدي بمسؤوليات التأسيس، وبجدّة السياسات التي يمكن أن تتبناها الجامعة، فضلا عن وجود القيادات الفاعلة في ادارتها، وفي برامجها، وتمكينها من التعاطي مع استحقاقات "التنمية التعليمية" عبر اقامة شراكات وبرامج عمل للتنسيق، ولاقامة الفعاليات- الندوات والمؤتمرات والورشات- ذات التوجهات المستقبلية، واستقطاب الرموز الثقافية العراقية- لتكون داعمة في تعضيد خططها ومشاركة في فعالياتها، فضلا عن الدعوة لتشكيل لجان استشارية للتعليم العالي تكون فيه هذه "الرموز الثقافية" فاعلة ومشاركة، ولها رؤيتها الاستشارية في انضاج سياسات الجامعات وبرامجها وخططها، وفي دعم برامج الدراسات العليا على مستوى المشاركة في المحاضرات، أو على مستوى اختيار عناوين الرسائل والاطاريح وبما يُغني مسار التعليم العالي وتطوره في واقع يحتاج الى ثورة حقيقية في تنمية التعليم العالي العراقي…
الناقد باسم عبد الحميد حمودي: الجامعة ستحقق فائدة علمية كبيرة لو استضافت الرموز العراقية
الرمز الثقافي عندما يبني ذاته وثقافته عبر تجربته الغنية الواسعة ويصبح مرجعا ورمزا ثقافيا لاتبنيه الدراسة الاكاديمية وحدها، بل يبنيه ذلك الحرص الشخصي على الدرس وتراكم الخبرة المعرفية في اختصاصه او في المعارف التي تهمه وجبل عليها وصنع منها اثره الثقافي.
أن هذا الغنى الشخصي الذي يتكون منه الفرد النموذج تهابه بعض الكليات والجامعات لكنك تجد في طقوس بعض الاساتذة الجامعيين الذي يملكون سلطة القرار في كلياتهم من يعمل على استضافة النماذج الثقافية فقد قامت احدى الجامعات يوما باستضافة المرحوم محمد مبارك مناقشا في احدى دراسات الدكتوراه ولكن هذه حالة نادرة عراقيا.
من جهتي فقد استضافني المجمع العلمي العراقي يوما زمن المرحوم احمد مطلوب في محاضرة عن القصة العراقية واستضافني المرحوم الدكتور نجم عبد الله كاظم في محاضرة عن السرد العراقي القيتها امام طالبة الدكتوراه واساتذة قسمه في اداب المستنصريةلكن ذلك لم يتكررولعلها تجارب موضوعية قليلة
ارى هنا ان الجامعة ستحقق فائدة علمية كبيرة لو استضافت الرموز العراقية في المسرح والسينما والعمارة والسرديات والفولكلور وكل ما يخص المجتمع الثقافي الذي تحاول الجامعة ان تؤثر فيه… تتعلم منه وتعلم معا تلك هي معادلة الغنى الثقافي.
الكاتب عبد الأمير المجر: المحاضرات تكون بمثابة محطات مفصلية في حياة الطلبة
نعم، هذا التقليد الذي تتبعه جامعات العالم الكبيرة، يعد جزءا من نشاطها الاكاديمي من خلال تفاعلها مع من هم خارج اسوار الجامعة، وداخل الفضاء الثقافي التي تنشده وتعمل عليه، لان هذا في صلب رسالتها الثقافية والانسانية، بالإضافة الى ما يحققه مثل هذا النشاط من مردودات ايجابية كثيرة للجامعة وطلبتها، كونهم حين يلتقون رمزا من رموز المشغل الذي يدرسونه يحققون فائدة مضاعفة من خلال ما يقدمه هذا الرمز من معلومات وتجربة حياة تضيف لهم الكثير وتضيء امامهم الطريق الذي يسلكونه، خذ مثلا ان تدعو جامعة ما احد كبار الادباء ليلقي محاضرة في فن الرواية او القصة او النقد لطلبة كلية الآداب فيها، ويحصل حوار معه في هذا الشأن، فكم سيكون ذلك مفيدا للطلبة وهو يشاركون هذا الاديب تجربته ويطلعون على تقنيات عمله الادبي، بمعنى ان مثل هكذا محاضرات تكون بمثابة محطات مفصلية في حياة الطلبة، لاسيما ان الطلبة من الممكن ان يسجلوا هذه المحاضرة ويعيدوا مشاهدتها في بيوتهم ليفيدوا منها اكثر. وكذلك في المجالات العلمية الاخرى، ويضاف الى هذا ان التعريف بالأدباء ونتاجهم يجب ان يكون من مهام كليات الآداب ومثيلاتها من الكليات الانسانية، كون الطلبة في مرحلة عمرية لم تسمح لهم بالاطلاع على جميع الادباء المهمين وتجاربهم، وان مثل هذه اللقاءات ستوفر لهم فرصة لمعرفتهم واقتناء بعض نتاجهم والتفاعل معهم وهذا يمثل مكسبا معرفيا كبيرا يخدمهم بالتأكيد
الإعلامية والمترجمة عدوية الهلالي: الجامعة مصدر رئيسيا لاستكمال شخصية المثقف
التعليم معادل للثقافة لقد استطاعت الجامعات، منذ بداياتها أن تكون أحد الروافد الثقافية المهمة، و مصدرا رئيسياً لاستكمال شخصية المثقف ومن أجل ان يكون التعليم معادلاً للثقافة، لابد من التركيز على دور المثقفين في توعية الطلبة الجامعيين ورفدهم بعصارة تجاربهم لكي لاتكون الجامعة غائبة عن المشهد الثقافي الوطني، خاصة وان المشهد الثقافي في الجامعات حاليا هش وضعيف، ويحتاج إلى إعادة بناء، وخطط جديدة للنهوض به في ظل تراجع الوعي الثقافي وقلة المطالعة وانجراف الشباب الى عوالم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير محسوب، وهذا ينقص من حضور الجامعة أيضاً بعد ان كانت نواة للمعرفة والثقافة والوعي والروح الوطنية،إذ يفترض في الجامعة أن تكون مركز إشعاع ثقافي، وأن يصل تأثيرها إلى الجمهور، ويكون ذلك من خلال إقامة الأنشطة الثقافية واستضافة المثقفين والتفاعل معهم لأن الجامعة هي قبل كل شيء مكان لصناعة الفكر، وإنتاج المعرفة. لقد أصبحت مخرجات التعليم عندنا في الوقت الراهن سطحية وبلا تفكير أو ثقافة، وكل ذلك بسبب هذا الغياب للدور الثقافي بعد ان كانت منبراً ثقافياً مهماً، وبيئة حقيقية للتفكير والإبداع، وكانت النشاطات الثقافية في أروقتها لا تتوقف، ولا يتوقف حضور أساتذتها وطلابها في نشاطات ثقافية خارجها، وبعد ان استطاعت أن تخرج أجيالاً من المثقفين وتصنع حراكا ثقافياً واضحا..لابد اذن ان تتجاوز الجامعات الدور الأكاديمي إلى الفعل الثقافي الموجه للمجتمع، وإلى تنشيط الساحة الثقافية بفعاليات تنفتح على الجمهور بحيث تنمي الوعي والذائقة الثقافية، وتجتذب الأساتذة والمثقفين ليمارسوا فيها دورهم التوعوي، كما ان الدور الذي قد تقوم به الجامعات من خلق مساحات تواصل مع المثقفين المحليين لا يكفي، إذ تحتاج هذه العملية إلى أن تتكرس في النظام التعليمي المدرسي، لينشأ الطالب على وعي بأهمية الأدب والفن في رسم ملامح الهوية الشخصية
المترجم شاكر راضي: عدم تكيف المثقف مع البيئة الجامعية والمدرسية ووجود جفوة في العلاقة
كل عام وانتم بخير في الحقيقة هذه مشكلة قديمة، حتى في الجامعات الأجنبية، هناك جفاء بين المثقفين والفنانين والصحفيين البارزين والجامعات وربما يرجع ذلك إلى عدم تكيف المثقف مع البيئة الجامعية والمدرسية أو وجود جفوة في العلاقة. والمشكلة الثانية التي تحول دون تواصل المثقفين مع الجامعات هي العزلة التي يحيط بها المثقف أحيانا نفسه وعدم رغبته في الخضوع لمعايير الدرس الجامعي. المشكلة الثالثة هي طبيعة العقلية والنفسية السائدة في الوسط الجامعي بتأثير الشهادات العليا والبحث العلمي المتخصص الذي قد تفتقر له الأوساط الثقافية وتجد أنه غير ملزم لها كي تستمر، فتتسع الهوة ما بين الإثنين. فضلا عن ذلك، يجد المثقف أن طلاب الجامعة ليسوا جمهوره المفضل الذي يتفاعل مع المثقف شاعرا أو كاتبا أو باحثا.. تستمر الفجوة في العصر الرقمي وتتعمق، الأمر الذي يعقد تلك العلاقة الأزلية التي يمكن أن تكون مفتاحا لحقبة جديدة لو تحسنت شروط الاعتماد المتبادل بين المثقفين والفنانين من جهة والجامعات من جهة ثانية.
الناقد والروائي جمال العتّابي: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي
في اعتقادي ان الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي، انسجاماً مع الدور الذي تضطلع فيه الجامعة في الحياة الثقافية وأعني به الفعل الثقافي داخل الجامعة، وعلى وجه الخصوص الجامعات أو الكليات المتخصصة بالمعرفة والأدب والفن.
من المؤسف أن تغيب الرموز الثقافية عن المجتمع الجامعي، من أدباء ومفكرين وفنانين، ولعل أكثر إشكاليات التعليم العالي في الوقت الراهن الفصل بين التعليم والثقافة لأن أحد أهم مهمات الجامعة هي أن تعي دورها الحقيقي بصفتها مؤسسة ثقافية. فضلاً عن كون الجامعة واحدة من أهم التجارب في حياة الانسان.
سيبدو غريباً أن نقول ان الثقافة بمعنى النشاط الفكري والابداعي المجتمعي غائبة عن الجامعة، أو أنها لم تعد من همومها أو جزءاً من نشاطاتها وعلاقتها بالمحيط الثقافي، هو وضع غريب حقاً ان تتسع الفجوة بينها وبين المثقف، والأكثر غرابة أن لا تتضمن برامج الجامعات و خططها ما يخفف من عزلتها التي تفاقمت في العقدين السابقين، ولعل أحد الأسباب يعود الى سوء اختيار ادارات الكليات والجامعات القائمة على مبدأ الولاءات الحزبية والطائفية، التي لا تعتمد الخبرة والكفاءة، الامر الذي جعل من غير الممكن دعوة الادباء والمثقفين للمشاركة في نشاطات الجامعات، والاسوء من ذلك في وضع القيود امام المبدعين ممن يتهم بالحداثة والفكر المتنور.
من المؤسف القول ان تعيش الجامعات واقعاً متراجعاً، وتردياً في الأداء والمستويات العلمية، ولا سيما بعد انتشار ظاهرة التعليم الاهلي القائم على جني الأرباح المذهلة على حساب المستوى التعليمي.
من الصعب القول ان بامكان الجامعة ان تستعيد دورها في الحياة الثقافية والفكرية، ومن المستحيل الان أن نجد مثيلاً لدار المعلمين العالية وكلية الاداب، أو كلية التربية، في خمسينات وستينات القرن الماضي، اذ كانت هذه المعاهد نماذج منتجة للمثقف: الأديب، الشاعر، القاص والروائي، أذكر على سبيل المثال لا الحصر أسماء: السياب، البياتي، نازك الملائكة، لميعة عباس عمارة، علي جواد الطاهر، عاتكة الخزرجي، وغيرهم الكثير.
لقد باتت جامعات اليوم على الرغم من هذا الكم، بلا جدوى أو معنى مؤثر في الحياة الثقافية، وهي في أحسن الأحوال منصرفة الى مناهجها المقررة، بلا رؤى ابداعية ومفاهيم متجددة. أحمّل العقل الذي يحكم المؤسسة مسؤولية الاخفاق والتراجع.
الروائية ميسلون هادي: قدر الكاتب العراقي أن يُفني عمره في العطاء دون أي مقابل
في التسعينات بادر الناقد الراحل الدكتور نجم عبد الله كاظم إلى استضافة بعض الروائيين والنقاد لطلاب الدراسات العليا، وأذكر منهم الروائي عبد الخالق الركابي والناقد فاضل ثامر وآخرين، وكانت تجربة حيوية ناجحة خلقت نوعاً من التفاعل المؤثر بين طالب الدراسات العليا والروائي الذي يدرسه، كما خلقت حضوراً مهماً للأديب العراقي داخل الدرس الأكاديمي، وطبعاً أنا أتحدث عن الدراسات العليا في مجال الأدب العربي، فإذا خرجنا قليلاً من هذا المجال المتخصص، سنجد فجوة كبيرة بين طلاب باقي الأقسام وبين رموز الإبداع العراقية في جميع المجالات الأدبية والإنسانية، وفي هذا الخصوص أتذكر استطلاعاً أجريناه لمجلة ألف باء بين طلاب الجامعات حول أهم الأسماء في مجالات مختلفة من الأبداع الفكري، فأظهرت النتائج أن الشباب، في الوسط الجامعي، بعيدين جداً عن الأدب العراقي المعاصر، وتعريفه في أذهانهم يقتصر على الأسماء الكبيرة، التي درسوها في المرحلة الثانوية، والشعرية منها على وجه الخصوص.
لربما اختلف الأمر الآن بوجود مواقع التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بتقليص هذه الفجوة قليلاً، غير أن هذا يقابله اكتساح مؤسف لأصحاب المحتوى الذي يعمل على تشويه الوعي. وهذا يتطلب من الكاتب أن يجابه هذه التحديات بتحديث نفسه باستمرار، واعتماد الخطاب الذي لا يجعل من الثقافة جزيرة معزولة عن الشباب، بل يمكنه من جذبهم إليه، وبالتالي التعريف بأعماله، أو أعمال سائر الكتاب الذين ينّوه بهم.. وطبعاً هذا وحده غير كاف لتمتين العلاقة مع الشباب من الوسط الجامعي، فهذا الجانب يقع على عاتق جهات أخرى خاصة وحكومية، ومنها ما يهدف إليه هذا الاستفتاء، أي جعل المثقف حاضرا بقوة في الحياة الجامعية، وتضييفه لإلقاء محاضرات على الطلبة، وإغناء تجربتهم المعرفية، وجعله نموذجاً ملهماً يقتدى به، ولدى الطلبة كل الاستعداد والحماس للتماهي مع هذه الرموز والتأسي بها. وهذا لن يكلف أية جهة مقابلا ماديا، لأن الكاتب كما تعلم، لا يتقاضى في العراق أي مقابل مادي سواء لكتاباته، أو حفلات توقيعه، أو المحاضرات التي يلقيها. قدر الكاتب العراقي أن يُفني عمره في العطاء دون أي مقابل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram