TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > العراق والمطالبة بالتعويضات من الحكومة الأمريكية

العراق والمطالبة بالتعويضات من الحكومة الأمريكية

نشر في: 16 إبريل, 2024: 11:34 م

د. كاظم المقدادي

" 2 "
في الجزء الثاني من المقال نستكمل ما يفيد الوفد العراقي الى واشنطن في مطالبته بحق العراق بالتعويضات:
رابعاً- أبرز تداعيات الحرب
سبب إستخدام القوات الأمريكية وحليفاتها لأسلحة اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض والسموم الأخرى إنتشار الملوثات والسموم الإشعاعية والكيميائية الخطيرة في أرجاء العراق، والتي سببت بدورها أضرار بيولوجية رهيبة، حيث أُصيب أكثر من مليون و 200 ألف عراقي وعراقية بالسرطانات، وتوفي منهم أكثر من 300 ألفاً.عدا ما سببه من مئات اَلاف الولادات الميتة والتشوهات الخلقية الرهيبة والإسقاطات المتكررة والعقم (حتى وسط الأسر التي أنجبت قبل الحر)، وغيرها من العلل المرضية العضال غير القابلة للعلاج.
ونشير الى بضعة أمثلة، يعرفها الأطباء جيداً:

  • إرتفعت الأصابات السرطانية في البصرة 8 – 10 أضعاف، والتشوهات الخلقية- 23 ضعفاً.
  • وفي الفلوجة يولد حتى يومنا هذا نحو 147 من بين كل ألف مولود جديد بعيوب ولادية شديدة.
  • وفي بغداد أصيب نحو 800 ألف نسمة بالسرطان.وأوضح مصدر في وزارة الصحة بإن أغلب حالات السرطان التي يتم اكتشافها في مستشفيات بغداد تصيب أشخاصاً يسكنون أطراف العاصمة، ولا سيما الشرقية منها.وقد تم تسجيل مئات حالات الإصابة بالسرطان في الأشهر الأخيرة في بلدات جسر ديالى، والمدائن، ومعسكر الرشيد.وأن منطقة جسر ديالى القريبة من موقع التويثة تعاني من تدهور صحي خطير، وتسجل أعلى حالات الإصابة بالسرطان.وأكد عضو نقابة الأطباء العراقيين الدكتور محمود صالح إن الكوادر الصحية العراقية رصدت أكثر من 40 نوعاً من السرطان في بلدة جسر ديالى وحدها، مبيناً أن بقية مناطق شرق بغداد تشهد انتشارا لأنواع أخرى من السرطانات.
    ولسوء الأوضاع البيئية حذرت وزارة البيئة من مخاطر التلوث البيئي على انخفاض متوسط عمر الإنسان العراقي. وقال وكيل الوزارة كمال حسين لوكالة " شفق نيوز" إن "متوسط عمر الإنسان في العراق وصل إلى 60 عاما وفق دراسات وبحوث أجرتها الوزارة منذ عام 2006، وهو بانخفاض مستمر.
    على صعيد اَخر، أشار تقرير حديث للبنك الدولي بعنوان:" المناطق الملوثة جراء الحروب في العراق: معالجات تلوث الارض لاسترجاع الحياة فيها"، صدر في كانون الثاني 2024، الى ان الخسائر والأضرار التي لحقت بالقطاع النفطي والزراعي والصناعي جراء الحروب المتعاقبة التي شهدها العراق، قُدِرت بنحو 3.5 تريليون دينار عراقي، مع تدمير 47% من مساحات الغابات الطبيعية في البلد وتلوث 2.4 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة بالألغام مما يحول دون سهولة استغلالها.
    وشمل التقرير مناطق معينة تعرضت لأضرار الحرب في كل من محافظة بغداد والانبار وبابل وديالى وكركوك ونينوى وصلاح الدين. وأشار الى ان الحروب المتعاقبة كانت متميزة باستهدافها إلحاق اضرار بممتلكات البلد النفطية والصناعية. وقد سبب ذلك ليس فقط خسائر اقتصادية، بل وتلوث الهواء والأرض والتربة والمياه على نطاق واسع جدا لم يشهد له مثيل.
    وحذر البنك الدولي انه من دون إجراء أي تدخل لمعالجة هذه المشاكل فانه من المتوقع ان يكون لتلوث الأرض عواقب و آثار طويلة الأمد على سلامة وصحة و معيشة مجاميع سكانية، مع عواقب شديدة على الفئات المتضررة من أبناء المجتمع الذين يستمرون بالتواجد في هذه المواقع الملوثة لأغراض زراعية وتربية الحيوانات وانشطة محلية أخرى. ويُقدرُ تعداد هذه المجاميع السكانية المعرضة لتبعات التلوث بنحو 3 ملايين نسمة من نازحين داخليين بضمنهم نساء وعوائل تعيلها نساء وأطفال وشباب.
    وبالإضافة الى المناطق الملوثة في المحافظات التي شملها التقرير في وسط وشمالي العراق فان هناك بعض المناطق الملوثة الأخرى في جنوبي البلاد. ويتعلق الأمر أيضا بالأراضي الملوثة بالألغام والمخلفات الحربية المتفجرة.
    خامساً- الأستناد الى مبادئ القانون البيئي الدولي:
    يُعرفُ "القانون البيئي الدولي" بأنه: مجموعة القواعد و مبادئ القانون الدولي العام التي تنظم نشاط الدول في مجال منع و تقليل الأضرار المختلفة، التي تنتج من مصادر مختلفة من المحيط البيئي أو خارج حدود السيادة الإقليمية.
    أحد مبادئ القانون البيئي الدولي هو مبدأ "الملوث الدافع"، والمقصود به ان الموث ملزم بتنظيف ما لوثه. ويوضح أن كل شخص تسبب نشاطه بضرر بالبيئة أو يمكن أن يسبب في إلحاق الضرر البيئة، يتحمل بمقتضاه نفقات كل تدابير تنظيف العامل المسبب للضرر والوقاية من التلوث و التقليل منه و إعادة الأماكن و بيئتها إلى حالتها الأصلية.
    وضمن القانون الدولي مبدأ التعويضات كالتزام ناتج عن ارتكاب دولة عملاَ ما غير مشروع إزاء دولة اخرى من اجل أصلاح ذلك الضرر من خلال التعويض المالي لذلك العمل اير المشروع.
    وهكذا، وفقاً للقانون الدولي فان إسرائيل والقوات الأمريكية وحليفاتها ملزمة بدفع تعويضات عن الأضرار التي ألحقتها ببيئة العراق وشعبه.وكان لزاماً عليها ان تسلم العراق خرائط إستخدام الأسلحة، وكذلك الألغام الأرضية والسموم التي دفنتها في الأراضي العراقية..
    سادساً- مطالبات لم تنفذ.. للعلم
    لم يطالب النظام البعثي بحقوق العراق بالتعويضات بشأن قصف مفاعله النووي للأغراض السلمية رغم قرار مجلس الأمن السالف والذي إعتمده بالإجماع،والذي نص على أنه "من حق العراق الحصول على تعويضات عن الهجوم على مفاعله النووي".
    ولم تكن ذرائع النظام المقبور مقبولة، بل وظل النظام البعثي يتستر على تداعيات العدوان بذريعة أنه " لا يريد إثارة الذعر" بين المواطنين، وكأنه كان " حريصاً" على حياة وصحة ونفسية العراقيين، وهو الذي خاض الحروب الداخلية والخارجية العبثية ضمن منطلق نهج التسلط والهيمنة. والكل يعلم أنه سكت عن المطالبة بحق العراق ليغطي على عاره وجبنه وعنجهياته الفارغة.
    وإتخذت الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعد سقوطه ذات الموقف،مع الفارق كثرة الكلام الخالي من الأفعال. فلم تتجرأ ولا واحدة منها على مطالبة إسرائيل بالتعويضات لقصفها مفاعل تموز، ولا من الإدارة الأمريكية وبريطانيا وغيرها لإستخداما الأسلحة المشعة في أعوام 1991 و 1998 و 2003 و 2004،فلوثت العراق بإشعاعات تعادل أشعاعات 250 قنبلة ذرية من قنابل هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين..
    لكنه جرى كلام كثير من قبل العديد من المسؤولين، وأطلقت وعود عديدة في هذا المضمار، ولم تنفذ.
    ففي عام 2005 أعلنت د.مشكاة المؤمن وزيرة البيئة ان وزارتها تسعى وبكل الوسائل الى رفع دعوى قضائية وجرمية على من تسبب في تلوث البيئة العراقية على مدى السنوات السابقة[16]. لكنها ليس فقط لم تف بذلك، وإنما تراجعت عن تصريحاتها بدرجة 180، معلنة أمام الجمعية الوطنية: "عدم وجود تلوث باليورانيوم المنضب في العراق"!!!.
    من جهتها، وعدت وزيرة البيئة السيدة نرمين عثمان حسن بمقاضاة من لوث العراق باليورانيوم المنضب،ودعت في المنتدى الوزاري البيئي العالمي في دبي عام 2006 الى ضرورة محاسبة المتسببين للتلوث.وطالبت بإنشاء محكمة دولية لتحديد مسؤولية التلوث في العراق، من شركات وأفراد ومسؤولين محليين، الى حكومات أجنبية. ودعت الى وجوب تطبيق مبدأ" الملوث يجب ان يدفع الثمن".
    وفي العام 2009أعلن عن بدء الإجراءات من جانب العراق بمطالبة اسرائيل بتعويضات عن تدمير مفاعل تموز النووي.وان الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعثت بكتابها المرقم 1/2/100 في 25 / 11/ 2009 الى وزارة الخارجية، يتضمن موافقة رئيس الوزراء على قيام الخارجية بتحريك دعوى التعويض ضد اسرائيل.ً.
    وفي عام 2010،أعلنت وزيرة حقوق الانسان المهندسة وجدان سالم بان وزارتها تستعد لرفع دعاوى قضائية الى المحكمة الجنائية لتعويض المتضررين من اليورانيوم المنضب، وقالت في ندوة نظمها "المركز العراقي للتنمية الاعلامية" أنه بعد استكمال التقارير ستقوم وزارتها برفع دعاوى في المحكمة الجنائية على الدول التي قامت بهذا الفعل وتعويض المتضررين منه.
    وفي عام 2014،دعا نواب من كتل مختلفة مجلس النواب والحكومة الى رفع دعوى قضائية ضد اسرائيل للحصول على تعويضات جراء قصفها مفاعل تموز النووي، وقتلها علماء وطيارين عراقيين.
    وفي عام 2016،أعلن مجلس النواب نيته مقاضاة إسرائيل وإلزامها بدفع تعويضات مالية من جراء قصفها لمفاعل "تموز"، خاصة وأن المفاعل كان يخص عملية التنمية والتطوير في البلد.
    وأكدت لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية أن ملف قصف اسرائيل مفاعل تموز ما زال مفتوحاً حتى الآن، وأن "وزارة الخارجية تمتلك جميع حيثيات الملف.
    وفي عام 2021،دعا القيادي في تحالف الفتح علي حسين الفتلاوي وزارة الخارجية العراقية بالتحرك وفتح تحقيق موسع بشأن تورط الجيش الأميركي باستخدام نحو 300 طن من صواريخ اليورانيوم المنضب ضد العراق. وان الأدلة واضحة جدا حيث انتشار الأمراض السرطانية بشكل ملفت للنظر في مناطق الوسط والجنوب إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة التي لم يكن العراق يعرفها من قبل".ودعى الحكومة إلى "التوجه للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية الإنسانية والمحاكم الدولية لعرض جميع الحقائق والمعلومات واعترافات المسؤولين من كافة دول العالم".
    للأسف، كل ما مر ذكره لم يتحقق منه شيئاً.. فهل ستفعلها حكومة السوداني؟
    *أكاديمي عراقي متقاعد، متخصص بالأضرار البيولوجية لأستخدام أسلحة اليورانيوم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram