اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > "هجينة استنبول".. والنوم مع العدو فـي فراشٍ واحد!

"هجينة استنبول".. والنوم مع العدو فـي فراشٍ واحد!

نشر في: 7 سبتمبر, 2010: 05:51 م

عادل العاملعندما نُشرت رواية أليف سافاك Alif Safak الأخيرة في بلدها، كانت متهمة بإهانة الهوية التركية، و قد سُحبت التهم لحسن الحظ؛ و لو حوكمت بهذه التهم، فإنها كانت ستُحكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات، و هي في المراحل الأخيرة من الحمل، كما يقول كاتب هذا العرض دميتري كاكمي. 
و لقد أفلتت سافاك من السجن، لكن التهديدات بالموت لا تزال مستمرة من القوميين المتطرفين . فقد قتل هؤلاء الصحافي الأرمني هرانك دينك في السنة الماضية. و عواقب هذه الضجة المثارة من دون مبرر في دولة يُفترَض أنها ديموقراطية هي أن أحد أصوات تركيا الأكثر بروزاً و حيويةً معرَّض للخطر. فالكاتبة مشدودة الأعصاب، و تجد أن من الصعب عليها تغذية طفلها في حالتها هذه. و من الملاحظ إيجابياً هنا، أن الطبعة التركية من كتابها كانت مع هذا من الكتب الأكثر مبيعاً. لكن لماذا كل هذه الضجة بشأنه؟ إذا أردنا أن نجيب، علينا أن نتفحص الرواية نفسها.  إن ( هجينة استنبول  Bastard of Istanbul)، أولاً و قبل كل شيء، قصة عائلية عابرة للقارات. و هي تتابع في تفصيل محبب و بكثير من الفكاهة حياتي عائلتين: واحدة تعيش في استنبول المعاصرة و هي تركية، و الأخرى تقيم في سان فرانسيسكو وهي أرمنية. إنهما عائلتا قزانجي وجقمقجيان، على التوالي. ويظهر في الأول أن شيئاً لا يربط ما بين العائلتين. لكن علينا ألا ننخدع. فتركيا هي البيت المسكون المجازي الكلاسيكي، المنفرج الساقين في الانفسام القاري؛ و بالتالي، فمن داخل غرفه الكثيرة لا يزال الماضي و الحاضر في حالة حرب إلى حد كبير، بينما هناك من الزوايا غير المستكشفة أصوات تحاول أن تكون مسموعة، ما أمكن ذلك. بكلمات أخرى، كل جماعة عرقية و دينية اجتازت التراب الأناضولي قد تقاسمت في وقتٍ أو آخر الفراش مع الطرف المعاكس. وهو ما يدعى بالنوم مع العدو. و يمكن القول إن هناك جانبين أو أكثر في كل قصة. و هكذا كانت الحال مع العائلتين. و هما لا تعرفان بذلك، لكن أصابع طويلة تمتد و تصل من الماضي المبتلى لتربط بشكلٍ لا خلاص منه بينهما معاً طوال الوقت. أما قنوات الاتصال التي تجسّر الفجوة، فتعود للشباب. وهم فريق العمل المقدام هنا. و الأولى من هؤلاء هي هجينة العنوان، آسيا قزانجي، البالغة من العمر 19 عاماً. وهي تركية حديثة، تمردية، و صريحة، و من دون ماضٍ يدفعها للتحزب لأحد. كما أنها الأصغر في أسرة من عدة أجيال من النساء، فالرجال ماتوا بطريقة غامضة و هم شباب. و قناة الاتصال الثانية هي أرمانوش جقماقجيان. وهي حساسة و تبحث عن أصولها الأرمينية في الصحراء الأميركية، و ليس في أي مكان آخر. و فضولها لمعرفة " إبادة " الأرمن تجبرها أخيراً على مقابلة العدو في حلبته. و هكذا تخدع عائلتها و تطير إلى استنبول لتعرف المزيد عن ماضي جدتها الحبيبة. وهي لا تعرف أي صندوق مفاجآت ستفتحه، وأية بركات مخفية ستجد.و إنها لمقدّمة مخادعة هذه التي تسمح لفظائع ما جرى في عام 1915أن ترتفع ببطء إلى السطح. و لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر لأن السيناريو الذي تبدعه الكاتبة، والمكائد، والآلام المبرحة، والعقد والصلات، والإيحاءات المدهشة، ينبغي أن يكتشفها الواحد بنفسه. وسأقول، مع هذا، إن الكتاب أسرني لدرجة أنني ابتلعته في يومين و حين انتهيت منه، قرأته مرةً أخرى. و لم أحس أبداً بالرغبة في الافتراق عن الشخصيات. فهي على درجة عالية من الحيوية و الألفة بالنسبة لكل مَن نشأ في ذلك القسم من العالم. أما الوجه المتناقض لأستنبول الحديثة، فإنه يظل ماثلاً في الذهن على نحوٍ جميل. وما يمكنني قوله عن هذا الكتاب إنه كتاب بارع و جريء، لمؤلفة بارعة و جريئة. أولاً لأنه يحاول شيئاً من الصعب تماماً التعبير عنه بلغة أدبية. فهو تأمل مصاغ فنياً و آسر لوجه تركيا المتغير. و اللعبة هنا أنه يوفر تسليةً شعبية سهلة الامتصاص، يكملها رباط من الطعام التركي الرائع (هناك وصفة لهذا)، وتلميحات مخالفة للعرف ( بالنسبة للتركي)، ومواجهات محرَّمة.وثانياً، باستعمالها أسرة قزانجي كاستعارة لبلدها ( النساء منقسمات عند الوسط: نصف محافظات، بينما الأخريات يتحركن مع العصر)، تستكشف سافاك دماغ تركيا المصاب بفقدان الذاكرة، على نحوٍ ماهر و تعاطفي يستحق الثناء. فهي، حين يقرأها الواحد بعناية، تكون منصفةً بالنسبة للطرفين. وبالرغم مما قلته آنفاً، فإن آسيا قزانجي ليست هي هجينة القصة. و إنما تركيا. و هذا، كما ترى الكاتبة، لأن البلد يوجد في الحاضر تقريباً، بعين ثابتة على الثقافة. أكيد أنه اعتنق أمجاد الماضي العثماني، لكنه فصل نفسه تماماً تقريباً عن أكثر العناصر إيلاماً من تلك العظمة الامبراطورية. و يمكن أن تكون غصص بناء الأمة قد حدثت أيضاً في بلد آخر، ليس فقط في الماضي القريب. بهذا الاعتبار، تُعرَض لنا تركيا كهجينٍ طافٍ في الزمن. و ما توحي به سافاك هو أن بلداً من دون معرفة تامة بماضيه ليس بلداً بأية حال، تماماً مثل شخصٍ من دون ماضٍ يشعر بأنه أقل من إنسان. و تمضي الكاتبة لترى أن البلد يمكن أن تكون له حتى علاقة غير سليمة و غير طبيعية مع إحساسه بنفسه، و يجب عليه أولاً أن يعتنق أو يتقبل الجيد و الرديء معاً في تاريخه قبل أن يمكنه أن يبدأ حتى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram