عبد المجيد حسن شياععرفت العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين بـ (عصر المعلومات) ، واعتمدت معظم أنشطتها الاجتماعية والاقتصادية على التكنولوجيات بصورة أساسية لكونها وفرت لها معلومات متنوعة وواسعة وحظيت باهتمام الكثيرين من جميع أنحاء العالم،
حيث أتاحت لهم فرصة الحصول على المعلومات بسهولة ويسر. وهكذا أصبحت المعلومات سلعة يتم إنتاجها واستهلاكها وتوزيعها حالها حال السلع المادية. وليس هناك شك في أن الشبكة الالكترونية الدولية تتمتع بقدرة خارقة على نشر تلك المعلومات في جميع جوانب المعرفة، وبما أن الإنسان مبدع ومبتكر وخلاق بطبعه ويستطيع تعديل وتحوير وابتكار كل ما يتوافر له من تكنولوجيات حتى لو كانت بدائية وبسيطة لتتلاءم مع احتياجاته وثقافته فهو يسهم بشكل أو بآخر في تقدم وصنع الثقافة الإنسانية بوجه عام، وباستمرار تقدم تكنولوجيا المعلومات وكثافة التدفق المعلوماتي وتعقد النظم الاجتماعية والاقتصادية و السياسية في العالم وشعور الأفراد المتزايد بكيانهم الذاتي وفاعليتهم في بناء مجتمعاتهم، فقد تغيرت النظرة الى تلك المعلومات والتكنولوجيات وظهر موقف جديد يعبر عن عهد أكثر ايجابية من العهد السابق حيث لا يكتفي فيه الأفراد بالحصول على المعلومات التي تساعدهم على تحقيق كل أهدافهم الخاصة فحسب وإنما بدأوا يتولون (هم) أنفسهم عملية صنع وابتكار معلومات جديدة وتداولها ودعوة الآخرين لمناقشتها بحرية تامة ووضوح دون فرض أية قيود لضمان سرية المعلومات وحمايتها كما هو مألوف بالنسبة للكثير من الأنشطة العلمية والاقتصادية الأخرى، لذلك فقد ظهر ما يطلق عليه الآن بـ ( عصر المشاركة ) وهو العصر التالي لعصر المعلومات الذي تزداد فيه دوائر الاتصال والتبادل اتساعاً من غير وجود حدود أو قيود عليها من أي طرف كان، ويضم ملايين البشر الذين يشاركون معاً في مناقشة المشكلات وإيجاد الحلول السريعة لها وإثارة قضايا جديدة ومسائل لم تطرق من قبل عن طريق الشبكات الدولية، لذلك فإن هذا العصر يتحدى مبدأ ملكية المعلومات ويعارض الملكية الفكرية والتي كثر الحديث عنها في أكثر الأوساط، وبالذات في الدول المتقدمة حيث يؤمن بضرورة فتح مصادر المعرفة امام الجميع، لذلك فهو عصر إتاحة المعلومات والمشاركة من خلال تفاعل شبكات متسعة من الأفراد في حل اي مشكلة وإبداع وخلق موضوعات وعلاقات وروابط جديدة لم تكن مطروحة من قبل بهذا النطاق الواسع فإذا كانت التوجهات الاقتصادية والسياسية في عصر المعلومات تتطلب الحماية وتتطلب السرية التامة لها على الأقل في بعض المجالات فإن عصر المشاركة يرتبط بالانفتاح وتبادل الأفكار والآراء والخبرات مما يحقق النجاح والتقدم ويعكس الحماية التي تؤدي الى العزلة والانغلاق والجمود على نفسها، وفي هذه الحدود يمكن اعتباره نهاية ليس فقط لعصر التحكم بالمعلومات ومنعها عن الآخرين إلا بشروط معينة وأنما مؤشر أيضاً على قرب نهاية كل أشكال التسلط والتحكم نتيجة للتحولات التي طرأت وتطرأ الآن على مختلف النظم الإنسانية وإعادة النظر في جميع التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بكل أشكالها المختلفة، فالمشاركة مفهوم يعكس في بعض أبعاده التمرد ورفض كثير من الأوضاع التي تستند الى مبدأ التسلط في كثير من جوانب الحياة وابتداء من التنظيم العائلي الى علاقات العمل الى البعد الإنساني وغير ذلك من الأوضاع التي تضع سلطة اتخاذ القرارات المؤثرة في حياة ومصير الآخرين وفي أيدي فئة محدودة من الأشخاص .إن ستراتيجية المصدر المفتوح ضد الهيمنة لتعدد الآراء وتنوع وجهات النظر المختلفة تؤدي الى التغيير الذي يهدف الى إحراز التقدم عن طريق إتاحة الاختيارات المختلفة لها وحرية الانتقاء فكلما اتسع نطاق المشاركة زادت فرصة الاختيار السليم والمؤثر في صنع المستقبل المشرق بما يتلاءم مع رغباتنا وتطلعاتنا، وواضح إن هذا المبدأ يتعارض تماماً مع سياسة فرض الرقابة والهيمنة على التفكير والتدخل في حق التعبير وحرية تبادل المعلومات، كما انه يرفض التحكم في إدارة العلاقات داخل المجتمع والتي من شأنها إبعاد الناس عن فهم الواقع وحقيقة الأوضاع التي تمس حياتهم، فالتدفق المعلوماتي يساعد على التوصل الى الحقائق من خلال المقارنة، وبالرغم من كل ما قد ينشأ عن زيادة المعلومات التي نحصل عليها من المصادر المختلفة المتاحة لدينا من تضارب في كثير من الأحيان فإنها تبقى الوسيلة الفاعلة للوصول الى الحقيقة في آخر الامر وإذا كان إطلاق المجال للمشاركة وستراتيجية المصدر المفتو ح يساعدان على تطور ونمو التفكير الإبداعي والتجديد باعتبارهما عنصرين أساسيين لإحراز التقدم في جميع المجالات فإن هذه المشاركة ذاتها هي التي تقوم على أساس تبادل الآراء والخبرات التي تتطلب توفر قدر معين من الثقة بين مختلف الأطراف الذين يشتركون جميعهم في الرغبة لتحقيق أهداف او مصالح معينة، كما أن تلك الثقة تساعد المجتمع ككل على اختيار أفضل السبل لتحقيق التقدم المنشود، فالمسألة تتطلب ليس فقط توفير المعلومات والإفادة منها بل العمل على صنعها وإبداعها وتنميتها وتطورها لتحقيق التغيير والتقدم، وهو الأمر الذي تسهم الشبكات الدولية المختلفة في إنج
عصر المشاركة
نشر في: 7 سبتمبر, 2010: 06:06 م