يرى مراقبون أن العراق لم يتمكن حتى الآن من نشر ثقافة زيارة المتاحف الأثرية والاهتمام بالآثار بشكل عام، عازين سبب ذلك إلى إهمال الحكومة هذه الثروة التاريخية المهمة التي لا تقل شأنا عن النفط والثروات الأخرى.
رئيس لجنة السياحة والآثار البرلمانية بكر حمة صديق علل عزوف الناس عن ارتياد المتاحف إلى أسباب عديدة أبرزها، "سوء الوضع الأمني وضعف وعي المواطن في الحفاظ والاهتمام بالآثار، كونه منشغلاً بالخدمات وتوفير لقمة العيش ".
وقال صديق في حديث لـ"المدى"، إن "متاحفنا تفتقر لرواد حقيقيين بسبب سوء حالتها الإعدادية"، مضيفا بأن "المتاحف المؤهلة إلى الآن هي كل من متحف بغداد وبابل ومتاحف الإقليم، أما بقية المتاحف فهي غير مؤهلة لاستقبال روادها".
وعن سبب إهمال المتاحف أوضح صديق أن "التخصيصات المالية للمتاحف متواضعة جدا، ولا ترقى إلى مستوى القيمة الأثرية"، مبينا بأن "التخصيصات المالية لإعادة هيكلة المتاحف في موازنة 2012 بلغت ملياري دينار فقط".
وعن إمكانية إعادة الآثار المسروقة إلى البلاد، أكد صديق "نحن نمتلك قائمة للدول التي استولت على القطع الأثرية، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وبولونيا وإسبانيا وألمانيا واليابان، وبعض الدول العربية كـ " لبنان والإمارات"، مضيفا "بعض من هذه الدول قامت بإعادة هذه القطع الأثرية دون أي ضجة إعلامية، لكن القسم الأكبر من هذه الدول تمتنع لحد الآن رغم محاولات بغداد استعادة آثار العراق".
وتابع "نحن كلجنة برلمانية ضغطنا على وزارة الخارجية وهي بدورها ضغطت على تلك الحكومات لكن لحد الآن تعد هذه المحاولات بطيئة"، مشيرا إلى أن "الحكومة لم تضع استعادة الآثار ضمن الأولويات الأساسية على مستوى العلاقات الخارجية، فالحكومة تبرم اتفاقيات في جميع الصعد سواء اقتصادية أم أمنية مع الدول التي تحتضن القطع الأثرية، وينبغي على الحكومة أن تتحفظ على هذه الاتفاقات لحين النظر في إعادة القطع الأثرية العراقية الموجودة في هذه الدول" .
وبين صديق أن بعض النواب اعتمدوا الرأي الذي يفيد بأن هذه الآثار الموجودة في خارج البلاد ويتم عرضها أمام المشاهدين والمهتمين بالآثار تفيد العراق الذي لم يستطع الحفاظ عليها، لافتا إلى أن "هذا الرأي غير جدير بالتقدير وغير قانوني وفيه نوع من عدم الشعور بالمسؤولية، لان هذه الآثار هي من حق الشعب العراقي ولا يمكن أن تؤخذ وتعرض أمام مرأى ومسمع العالم".
وكان مدير مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية بدر ناصر حسين قد طالب في 12 تشرين الثاني الجاري، وزارة السياحة والآثار باستعادة الآثار المفقودة، مؤكداً أن الحكومة استعادت العديد منها لكن بقي الكثير منها لاسيما في متاحف برلين .
وتابع حسين في على هامش احتفالية أقامتها جامعة بابل بمناسبة افتتاح متحف الجامعة التراثي، إن "الآثار العراقية التي تعرضت للسرقة خلال الغزو الأمريكي للعراق مطلع عام 2003، هُربت العديد منها إلى خارج البلاد"، مطالباً وزارة السياحة والآثار بـ"العمل على إيجاد السبل اللازمة لاستعادة الآثار المفقودة لأنها تمثل حضارة وتاريخ العراق"، مضيفا أن "الحكومة استعادت العديد منها لكن بقي الكثير منها خاصة تلك التي في متاحف برلين".
وتفيد آخر إحصائية للمناطق الأثرية في عموم البلاد، بأن "هناك 30 ألف تلة أثرية في عموم البلاد"، مشيرا إلى انه لم يتم التعامل إلا مع 10 ألاف، أي أن 20 ألف موقع أثري لم يتم التعامل معه حتى الآن بحسب رئاسة لجنة السياحة والآثار البرلمانية .وكانت منظمة اليونسكو قد زارت موقع بابل الأثري في وقت سابق من العام الحالي، وأعدت خطة بعد أن قدمت دراسة لتحليل التربة وإنقاذ المواقع التي تدهورت من أجل إعادة إدراج آثار بابل ضمن لائحة التراث العالمي.
يشار إلى أن آثار بابل قد شهدت أعمال صيانة عام 1988، إلا أن اليونسكو وبعد معاينتها ذكرت أن الترميمات لا تتطابق والمعايير الدولية التي يتعاملون بها في تهيئة الآثار، حيث استخدمت مواد مخالفة للمواد الأصلية التي استعملها البابليون، وعلى ضوئها أوصت اليونسكو بعدم إدراج مدينة بابل الأثرية ضمن لائحة التراث العالمي.
يذكر أن الآثار العراقية قد تعرضت لأوسع عملية نهب في عام 2003 ، ما أدى إلى اختفاء الآلاف من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن من مدينة بابل الأثرية ومواقع أخرى.