علي حسين فقراء من عامة الشعب، موظفون مساكين ومسؤولون مرتشون، لصوص مفسدون ومواطنون حاضرو البديهة، عالم كامل يعكس رحلة حياة صاغها برهافة حس فريدة،" زميلي في هذه الصفحة نفسها أستاذنا بسام فرج" في رحلة مع فن الكاريكاتير قاربت الخمسين عاما تاركا لنا آلاف اللوحات الساخرة بالغة القسوة والحنان في آن واحد، يضمها الآن أرشيف الصحافة العراقية.
فيلسوف بدرجة رسام، ومعبر اول عن مشاعر البسطاء والعاشقين الحالمين بغد افضل،انسان مهووس بالتفاصيل، وهذا سر اختياره فنّ الكاريكاتير، ذلك الفضاء الساحر الذي لعب فيه كل الألعاب، رسم وصمم مطبوعات،رسوماً للأطفال، مشاريع افلام كارتون، مشروعات مختلفة تشتغل على العلاقة بين الخطوط والكلام. يعلن بشيء من التواضع: "تعلمت فن الاحتجاج عام 1956إذ شـاركت (ولأول مرة في حياتي) وبشكل عفوي وبدافع من العاطفة المجردة تماما بالإضراب والاعتصام داخل المدرسة "، لكن كيف يحلم صبي عاش في الخمسينيات بمهنة لم تعرف على نطاق واسع إلا مع نهاية القرن العشرين؟ بدلاً من الإجابة، يروي لنا بسام قصة غرامه بأوراق الصحف، أشكالها وروائحها، وملمس المجلات: " في عام 1964 وقع نظري على العدد الأول من مجلة القنديل، وكانت ذات طباعة أوفست وبالألوان معروضة على واجهات أكشاك بيع الصحف، وبعد أن تصفحتها أعجبت بها جدا،وقررت أن أزورهم وأعرض عليهم رسـوماً كانت في الواقع محـاولات في الكـاريكاتير ".المجلاّت غيّرت عالم الصبي الذي كان والده ينصحه دائما " ابني.. الرسم ما يوكلك خبز " فجاء الى عالم الصحافة مفعماً بالحيوية ومشحوناً بطاقة خفيّة، عاشقا لمغامرات السندباد وصحبه الذين أحبّهم، فهو مثلهم اتخذ من المغامرة متعةً وأسلوب حياة. المعارك التي خاضها بسام كثيرة، لكنّه كان يخرج كل مرّة بإنجازات على طريق تحرير الخيال من العبودية في جميع اشكالها، القمع والعبودية دفعت بسام الى ان يختار المنفى كموقف بعد ان انغلق الوطن على قمعه لتصبح الحياة مستحيلة مع الظلم السياسي المصاحب لعبادة الفرد، فكان ان ادرك مبكرا المهمة الاولى لرسوم الكاريكاتير وهي مواجهة الاليات التي تنتج القمع في المجتمع والكشف عن أقنعة السلطة التي تحتكر القوة.فنان لا يرسم كي يُضحك الناس، بل يرسم كي يذكر الناس بما يحيق بهم،. يخرج بسام من ظاهرة الرسم الكاريكاتيري المجرد إلى ظاهرة اللوحة الفنية، تلك التي تستبطن الفكاهة الحزينة لتصبح مادة سياسية فيها بامتياز،لوحات مشبعة بفن الفكاهة وليس فن الضحك، فكاهة شاعرية، ذات حس انساني عميق. في سنوات المنفى يستمر بسام حيا بفنه وسط العالم الذي يزداد وحشة وفقر ا واحباطا، ولكنه يظل على بذرة الحلم التي تنبئنا بان الفن خلاص وحياة وعين تبصر في البعيد وشمس تشرق بعد انقشاع ليل طويل. يفاجئ بسام عشاق خطوطه الساحرة ونكاته الموجعة، برسومه الجديدة في المدى حيث اتخذ قرارا بالعودة الى المشاكسة من جديد تاركا خلفه برودة سنين المنفى وضجرها، متوحدا بذكريات سني عمره الأولى، ودفء الالاف من محبيه.
العمود الثامن :نصـــف قـــــرن من المعارضة
نشر في: 7 سبتمبر, 2010: 06:30 م