الموصل/ المدى التجارة في مدينة كالموصل، تحولت الى مغامرة لايمكن التنبؤ بعواقبها، ورزنامة المشهد الموصلي منذ اواخر عام 2005، حافلة بالايام الصعبة على قطاع التجارة بشكل عام، وعلى ارواح واموال المتعاملين فيه، حيث تشير احصائيات غير رسمية، الى أن اكثر من 600 تاجر تعرضوا للتصفية على ايدي الجماعات المسلحة، التي نشطت بعدما يعرف في الموصل بالسقوط الثاني، عندما انهار جهاز الشرطة هناك، وفرضت القاعدة سيطرتها على المدينة وبدأت بحملة عقاب.
يشير الصحفي والكاتب ذنون محسن احمد، الى ان الذين تعرضوا للقتل من التجار في الموصل، هم من الذين رفضوا الرضوخ لأبتزاز العصابات المسلحة، ومن نجا من الموت، اضطر لمغادرة المدينة، وتركزوا في محافظات كردستان الامنة، أو لجأوا الى سوريا او باقي دول الجوار.ويواصل ذنون، التجار الذين بقوا في الموصل، كانوا ولا يزال العديد منهم يبتز عن طريق التهديد، ووصل الامر بالتجار الذين ينقلون بضائع من سوريا الى الموصل، لدفع رسوم عن كل شاحنة تحولت يوما بعد آخر الى عرف، واصبح الطريق بين الكسك وبوابة الموصل الغربية مسرحا لهكذا تعاملات، لم يخفف من وطأتها سوى انطلاق عملية ام الربيعين الامنية في العاشر من ايار عام 2008، ومع هذا فان الموصل مدينة بلا تجار، لان غالبية تجارها الكبار يقيمون الان خارجها، وهناك من يديرون لهم اعمالهم في الموصل. بعد رحيل معظم التجار عن المدينة، بحث المسلحون عن طرق أخرى لتمويل اعمالهم، وذلك من خلال قطع الطريق على شاحنات البضائع، وقد نجحوا الى حد ما في ذلك بحسب المراقبين، بسبب ان الموصل هي معبر تجاري مهم، يربط العراق بسوريا من الغرب، وتركيا شمالاً. تاجر معروف للدواجن رفض الكشف عن اسمه قال للمدى: انه وبالرغم من انتقاله من الموصل الى محافظة دهوك، الا انه تعرض للتهديد مراراً بواسطة الهاتف، بسبب ان مشاريعه تقع في ضواحي الموصل، والحركة فيها مستمرة ويمكن رصدها من قبل الارهابيين، وقال بأنه يستورد عن طريق سوريا (الصويا والبروتين) وهي مواد تدخل في صناعة العلف، والمعبر الوحيد لهذه البضائع هو الدخول الى مدينة الموصل، بعد تدمير جسر مؤقت كانت تسلكه في ناحية بادوش(حميدات) غربي الموصل.وأكد على ان المسلحين كانوا يوقفون الشاحنات على طريق الموصل ربيعة، ويتصلون بواسطة هواتف الواق مطالبين بمبالغ تتراوح بين (300_500) دولار عن كل شاحنة، والا فانهم سينهبون البضائع ويحرقون السيارات.ويضيف تاجر الدواجن: قبل انطلاق عملية ام الربيعين، كانوا يراقبون كل شاحنة تدخل العراق، وكانت لديهم ارقام الشاحنات، وحتى يعرفون نوع البضائع التي تحملها وحتى اوزانها، والى اين تتجه، ولهذا في حال لم يتمكنوا من وقف الشاحنات على الطريق، يتصلون ويطالبون بإتاوات عنها، ويهددون بحرق البضائع العائدة لنا مستقبلاً. وبحسب تاجر الدواجن، فان تاجراً عراقيا مقيما في الاردن، رفض اعطاء الارهابيين اتاوة، فقام هؤلاء بنهب وحرق هذه السيارات بالقرب من حي الوحدة شرقي الموصل، فتكبد التاجر آلافاً من الدولارات وصارت الحالة عبرة لباقي التجار، في ظل غياب الحماية الامنية. التهديد بغرض الابتزاز في الموصل كان يجري، بطرق متنوعة، يقوم ببعضها محترفون، ينفذون تهديداتهم فورا بالقتل، أو يحصلون على اتاوات، ويجري كل ذلك بطريقة شبحية، ظهور واختفاء دون ان يتمكن احد من تتبعهم، او يجرؤ في الاقل على ذلك. هذا ما ذكره ضابط شرطة سابق في مديرية شرطة نينوى، وقال بان جماعات اخرى كانت تتقمص دور الاولى، وهي غير محترفة، تعتمد على الاتصالات الهاتفية، لتخويف الضحية، وتفشت بصورة كبيرة في الموصل، بحيث تعرض واحد من بين 3 مواطنين الى حالة مماثلة.اذ لم يكن اولائك يعرفون اصلا بمن يتصلون، فقط تجري عملية التهديد، واذا نجحوا يبدأون بالتفكير في طريقة لقبض المال، او (كارتات)الموبايل، لتمويل اتصالاتهم اللاحقة. الطريقة الاخرى بحسب تاجر الشرطة، والتي مازالت تجري لغاية اليوم، هي بوضع ورقة تتضمن عبارات تهديد، في مكتب التاجر، أو محله، وشاع ذلك بين تجار السرجخانة وباب السراي وسوق الصياغ، وهذا ما يفسر ترك العشرات من تجار تلك الاسواق محالهم، ولجأوا الى اطراف المدينة، وقسم منهم تجمع في مكان واحد، فنشأت سوق جديدة تسمى المثنى شمالي الموصل. ويضيف الضابط: الحملات الاخرى استهدفت اصحاب المعامل والمصانع والمشاريع الزراعية، وقد ادى ذلك ايضا الى هجرة جماعية. الطريق التجاري بين تركيا والموصل، ظل محافظا على مستوى من الامن، بسبب وجود قوات البشمركة التي كانت وماتزال تسيطر على الوضع هناك بشكل كامل، غير ان الصعوبات كانت وماتزال بدرجة اقل تكمن في الطريق التجاري الرابط بين منفذ ربيعة على الحدود السورية والموصل. لهذا لجأت الحكومة المحلية في نينوى، بالتعاون مع وزارة النقل على التفكير باعادة تفعيل سكة الحديد الرابطة بين العراق من جهة، وسوريا وتركيا من جهة أخرى، لنقل البضائع والمسافرين، واعلن فعليا عن تسيير اول الرحلات هذا العام، لكن وسيلة النقل هذه مازالت تحتاج الى الكثير من الجهد لتطويرها، لكي تصبح منافسة فاعلة للنقل البري، من اجل انقاذ التجارة الغربية، وتجارها من الابتزاز. يقول السائق خضر جابر، قوات الجيش العراقي المنتشرة على طول طريق ربيعة الموصل، نجحت الى حد كبير في التصدي للمبتزين، وشرح كيف ان الجماعات المسلحة كانت تضع لها عيونا، في من
الموصل.. مدينة بلا تجار والسوق مغامرة في أيام عصيبة
نشر في: 7 سبتمبر, 2010: 08:48 م