TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إهمال متعمد لنصب الشاعر وشارعه

إهمال متعمد لنصب الشاعر وشارعه

نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م

قادني التيه الذي أعانيه، منذ أن حططت بمرتكزي.. بغداد، إلى استعارة مساحة فيها بعض من الأمل والطراوة ما يجعلني أكثر قدرة على استيعاب الواقع الجديد الذي يشبه الكوابيس أحيانا، بعد غياب لسنوات طوال.. تابعت خطواتي تدفع بي الريح، حيث يقيم الشاعر الذي أحب بموازاة ما كان يطلق عليه شارع أبي نؤاس، أو الكورنيش، أملاً في الصورة الموشومة في الذاكرة، لكن، وللأسف كان فعل ماضٍ ناقص، كما الصورة ناقصة من كل ماله صلة بمفردات الجمال والشعر النواسي، وهو يعانق الخيام، وهمس العصافير حين تذوب بقاع الكأس عشقا.
الصورة الأولى: جبل من ركام الأتربة والنفايات يكاد يحجب النهر العظيم دجلة الخير وشاعره عن ناظري المعتنين إليه، وعلى بعد خطوتين يافطة معدنية كبيرة تحكي عن مشروع أمانة بغداد في إصلاح الشارع الذي يحمل اسم أجمل شعراء الدنيا وشاغلها.. ولكن أين الإصلاح وكيف ومتى توفى الأمانات.. ؟؟
الصورة الثانية: أوراق فاقدة الصلاحية، وأوراق الكلينكس تراقصها الرياح كما تشتهي، وبقايا سندويج، وأعقاب سكائر، وعلب الكولا، وكل ما يخطر على البال من زجاجات وعلب المشروبات الغازية التي يلقي بها المارة من نوافذ سياراتهم، وأشياء أخرى.
الصورة الثالثة: بيت صغير بني بشكل يثير الفضول يقترب كثيرا من غرائبية المسارح الرمزية، وعلى سطحه شبكة الستلايت، استغرقت بالنظر إليه طويلا حتى دسست رأسي في مرآبه، ما أثار حفيظة نقطة التفتيش القريبة منه، فصاح أحد الجنود: ها.. ماذا تريدين.. ضحكت من عجبي: لا لا فقط أتفرج.. رد ممازحا: هل تريدين شراءه؟  قلت: نعم.. بكم.. أجاب: ببلاش.. ألقيت التحية ومضيت.
الصورة الرابعة: متسولون بأعمار مختلفة، وبأعمال مختلفة، بيع العلج.. سكائر.. حلوى، ومسح زجاج السيارات، وبدع الأطفال المعاقة المحمولة، وشهادة طبية بأنواع الأمراض، وأساليب تسولية.. توسلية بإلحاح، ما تبرح أن تتحول إلى شتائم وكلام ينزلق عنه رداء الخجل، حين لا تجد تعاطفا وردود فعل نقدية.. كاش سريعة..
الصورة الخامسة: هي الأكثر حسرة،.. آه، أبو نواس، وهمست في سري، بكلمات كتبتها ذات مرة، حين كان للعشق بيت ومرفأ.. (قالت عدنا.. أنكرنا بعضنا وقلنا في النفاق كلام، وقرأنا على الحب السلام..) نعم قرأت السلام على الكأس الفارغة التي ما انفكت تحتضن روح الشاعر النواسي..غبار يغطي عمامته، ويخفي ملامح وجهه، وتلويحة يده.. بقايا أشياء غرست في خواصره، ونالت من كبرياء الشاعر، وثمالة نخبه..  إهمال متعمد لنصب الشاعر واسمه المرتبط بتاريخ وثقافة بغداد، كجزء من هجمة التهميش والتكسير لرموز الشعر، والأدب، والثقافة، والعلم، وإفراغ بغداد ومحتواها من كل ما يشكل ثقافة بلد، وعاصمة ظللت رموش شمسها وجه العالم، وأنارت حلكة ظلمته.. تسمرتُ في المكان بعمق تاريخ الشاعر، ولوعة شعره المسجاة على عذاب دجلة، وغياب مطر العشق الذي كان في المكان.. سحبت شباكا غير مترعة بأي شيء أعود به إلى ذاتي الضائعة حينا، والمضطربة حينا آخر.. لا بالحب، ولا بالأمل، ولا بمنقذ ولا مخلص، يأتي من أين؟..لا أدري؟؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: مثقفون مزيفون

العمودالثامن: ذهب نجلاء وملايين النواب

العمودالثامن: قاق .. قيق

ورشة للمرأة أم امرأة للورشة؟

العمودالثامن: ماذا يحدث؟

العمودالثامن: ماذا يحدث؟

 علي حسين ماذا حـدث؟ .. قالها صديق عاد إلى الوطن بعد غربة طويلة.. سألني: لماذا أصبحت الهوية الطائفية حاضرة بقوة هذه الأيام؟ هل لأنّ هناك خطراً على الشيعة، أم أن السـُّنة يتعرضون لحملة...
علي حسين

قناطر: العراق - الكويت.. كرة القدم تطيّب القلوب

طالب عبد العزيز في البدء، أنا غير معني بلعبة كرة القدم، ولا يعنيني من سيلعب، ومن سيفوز، في لعبة العراق مع الكويت، لكنني آمل أنْ تكون فعاليات مثل الرياضة وكرة القدم بالذات -لشعبيتها- فرصة...
طالب عبد العزيز

القنابل الغازية أداة قمع للاحتجاجات السلمية

د. كاظم المقدادي تُستخدم القنابل الغازية السامة والقاتلة المسماة "المسيلة للدموع" لتفريق التظاهرات والحشود والتجمعات الجماهيرية، المطالبة بحقوقها المشروعة. ويعرف ُ مستخدموها جيداً ما تسببه من أضرار لمستنشقي غازاتها أثناء إنفجارها، والتي تتراوح بين...
د. كاظم المقدادي

عن التوصيف الرسمي للوجود الأميركي في العراق

عبد الحليم الرهيمي خلافاً لما هو شائع ومتداول في بعض وسائل الاعلام ولدى شريحة من العراقيين، وخاصة المجموعات المسلحة، بأن الوجود الاميركي في العراق هو أحتلال، ويقوم بعض هذه المجموعات بمقاومة هذا الوجود بالسلاح.....
عبد الحليم الرهيمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram