نجم والي"كان عمري تسع سنوات، وكان عليّ أن أبحث عن عروس...لم يخطر على بالي أبداً الإعتراض على أبي". بصوت هادئ يروي الرجل الذي سيدخل ذات يوم التاريخ بصفته جنكيزخان، يأتينا من عمق طفولته قادماً من مسافة زمنية طولها 800 سنة.
أنها بداية جيدة بالفعل، خاصة إذا كانت الغاية التي تختفي وراءها هي تحطيم الأسطورة التي دارت حول شخصية الفاتح العالمي هذا الذي إرتبط مع اسمه الرعب، لكي يكتشف المرء في النهاية خلفها شخصية الإنسان "جنكيزخان"، الإبن الحزين، العاشق اليائس، المحارب العسكري "المقداد". بالضبط عن هذا الموضوع يدور فلم المخرج الروسي سيرجي بودروف الجديد في ملحمته التي خطط لها أن تتكون من ثلاثة أجزاء، بالإعتماد على نظرة معاصرة يريد المخرج الاقتراب من الأسطورة ويتساءل ما الذي جعل الشاب "تموديجين" يتحول إلى "خان" كبير؟ ولأن هناك فراغات كثيرة في سيرة حياة المحارب الكبير فإن من السهل للباحث أن يملأ تلك الفراغات بما يعتقد به مناسباً لمسار القصة الأصلية، خصوصاً إذا تعلق الأمر بتخيل قصة ملحمية تدور عن الحب والموت، أو رسم لوحة ضخمة لمذابح حدثت في التاريخ، كما فعل المخرج الروسي الذي صنغ في النهاية فلماً على طريقة فلم رعاة بقر "ويستيرن" لكن أسطوري يدور عن الحرب والمطاردة وجد في السهوب المنغولية الواسعة البانوراما خلفيته العظيمة."لا تحتقر أبداً شاباً ضعيفاً، لأنه من الممكن أن يتحول إلى حيوان متوحش"، نتعرف على تلك الجملة في بداية الفلم قبل أن نبدأ بمتابعة حياة البطل الذي قُيض له أن يعيش معاناة صلدة. القصة التي نراها، تدور بالشكل التالي: والد الطفل "تمودجين" يموت مسموماً بطريقة محتالة من قبل رئيس عشيرة آخر، رجال العشيرة يسرقون كل ما تقع عليه أيديهم في المعسكر، وبسبب الخوف من أن يكبر الصبي ذات يوم ويطالب بالثأر لأبيه، يبدأ أعداؤه بمطاردته، وعندما يعتقلونه يسحلونه بالحبال خلف خيولهم، يحصرونه في قطع من الخشب، ثم يضعونه في قفص للعرض لكي يبيعونه في سوق العبيد. أما أمه فتُهان بالضبط مثلما تُهان زوجته والتي ستحمل بعد اغتصابها بالأسر.في إيقاع الفصول ومجرى الأيام كان على "تيموجين" أن يعيش ذلك، أن يكافح دائماً، أن ينقذ نفسه، ومثل حيوان، يكتشف دائماً ما هو جديد، كل مرة يصبح أكثر قوة وجمالاً. بودروف يروي بعمق وإيقاع الويستيرن التقليدي وكأنه وهو يصور مرة عن طريق لقطات سريعة بسرعة الإيقاع الحاد لحوافر الخيول، لقطات قوية بقوة صليل السيوف وفي مرة أخرى عن طريق لقطات بطيئة ببطء سقوط قطرات الدم من أجسام المحارين، كأنه في تكنيكه السينمائي ذلك يسير على خطى المخرج الأميركي "سام بيكينباه"،سهوب متجمدة بالثلج، بحار هي الأخرى غلفها الجليد، عواصف أمطار رعدية، تكون صخور، غابات كثيفة من الصعب الدخول إليها وحقول واسعة، كل الصور تلك التي يمكن أن تكون طبيعة تمثل الروح الداخلية لبطلي الفلم، لكنها أيضاً الخلفية أو خشبة المسرح التي سيدور عليها القتال. إذ كلما جاء تيمودجين (الذي يلعب دوره بشكل رائع أسانو تادانوبو الذي هو في اليابان مثل نجم البوب) وبورته (الممثلة المنغولية خولان خولون الجميلة بشكل ساحر)، إلى بعض، كلما شعرا أنهما على مقربة من جنة شاعرية رومانتيكية، كان عليهما أن يشعرا بالتهديد، بصراخ المحاربين المتنامي الذي يبدأ بالإقتراب بإشارة لهجوم الأعداء الذي يزحف مثل دوامة عاصفة، بهذا الشكل تختلط أمام المشاهد صور جميلة شاعرية وعظيمة لمعارك تدور في العراء تلتحم مع بعض، ربما رآها المشاهد للمرة الأخيرة في فلم المخرج ريدلي سكوت "مملكة السماء".بودروف يربط بشكل متمكن بين عناصر فن الفلم السوفيتي التي تربى على تقاليدها وبين عناصر فن الفلم الأميركي الذي تعلمه بعض السنوات. وما منح الفلم نكهة خاصة أيضاً هو هذه الخلطة الجميلة من ممثلين قادمين من بلدان مختلفة، من اليابان، الصين، منغوليا، من بلدان آسيا، روسيا، ناهيك عن الخلطة الأخرى لمنتجين ومؤلفين ومصورين وتكنيكيين ومصممي أزياء قادمين من أوروبا وبلدان أخرى من العالم، وكأن الصور التي نراها في الفلم، قادمة من كل تلك الثقافات التي مر عليها جنكيزخان وصُنعت في مجرى الزمن، ثقافات عديدة ومتنوعة من الصعب تصنيفها بمكان.قوة تيمودجين غير العادية تأتي أصلاً من علاقته الروحية كمنغولي مع الله، لكن وأكثر من ذلك تأتي من حبه لزوجته "بروته"، التي تجتاز كل إختبارات الحياة. فبدلاً من أن ينفذ إستراتيجية الأب بالزواج من إمرأة من العشيرة المعادية لكي يتم الصلح معها، قرر الصبي البالغ آنذاك تسع سنوات من العمر خلال رحلته اختيار بنت من عشيرة أخرى والتي ستربطه معها علاقة حب تحمل الكثير من مواصفات الحب الحديثة. بورته تقف بفخر وبحماس إلى جانب زوجها، تعطيه المشورة في الأمور السياسية، تضحي بنفسها لكي تمكنه من الهرب، وتنقذه من الأسر، "بسبب إمرأة لا يبدأ المونغوليون بالحرب عادة"، يعلمه أخوه في الدم الذي يطلب منه المس
منطقة محررة :فـي ما خص جنكيزخان وتوحشه
نشر في: 14 سبتمبر, 2010: 04:48 م