د. عبد الله المدني"كوهينور" ليست أرضا أو حقل نفط أو ممراً بحرياً ستراتيجيا أو مؤسسة عملاقة يسيل لها لعاب المستثمرين، وإنما ماسة ثمينة لا تقدر بثمن، لها من العمر أكثر من 5000 عام. وهذه الجوهرة التي يعني اسمها "جبل النور" يمكن إدراجها في قائمة المقتنيات الفنية والأثرية
الثمينة التي سرقها المستعمرون من البلاد التي استعمروها، وصارت اليوم موضوعا للجدل والمطالبة والمساومة ما بين أصحابها الأصليين الطامحين لعودتها إلى ملكيتهم والجهات التي استحوذت عليها بالقوة في حقب تاريخية سابقة. و الفريق الأول المتضرر في مثل هذه القضايا لا يضم الهند فقط وإنما دولا أخرى عديدة مثل الصين وباكستان وأفغانستان وليبيا وسوريا ومصر وأثيوبيا والمكسيك وبيرو وغواتيمالا وقبرص واليونان وغيرها من الأقطار التي تحاول جاهدة القيام بحملات مكثفة ومنسقة لاستعادة ما سرق منها من كنوز في فترات زمنية سابقة، خصوصا أن هناك قراراً يصب في صالحها من منظمة اليونسكو التي دعت في مؤتمر لها في عام 1970 إلى ضرورة أن تستجيب الدول الاستعمارية لمطالب الدول المستعمرة – بفتح الميم – بإعادة ما نهب منها.والمعلوم أن بريطانيا رفضت مرارا وتكرارا مطالب تقدمت بها جماعات برلمانية وحزبية هندية ونشطاء هنود في حقل الأبحاث التاريخية والأركيولوجية بضرورة إعادة جوهرة "كوهينور" إلى موطنها الأصلي. والمعلوم أيضا أنه في عام 1990 انضم المبعوث السامي الهندي في لندن "غولديب نايار" إلى تلك الجهود عبر تصريح قال فيه: "إني أرى الحرج والخجل مرسومين على وجوه المسؤولين البريطانيين كلما أتيت أمامهم على ذكر موضوع "كوهينور"، وذلك قبل أن يكتب مقالا صحفيا قال فيه أنه حينما زار برج لندن برفقة عائلته حاول مضيفوه الإنجليز قيادته بعيدا عن الجوهرة المذكورة لأنهم كانوا يشعرون بالخجل "من احتمال رؤيتي جوهرة ثمينة سرقوها من بلادي".أما آخر مرة أثار فيها الهنود موضوع "كوهينور" مع البريطانيين فقد كان في مقابلة متلفزة أجرتها إحدى القنوات الهندية مع رئيس الحكومة البريطانية "ديفيد كاميرون" أثناء زيارة الأخير الهند في 28 يوليو/تموز المنصرم. ففي تلك المقابلة رفض الزعيم البريطاني رفضا قاطعا إعادة الجوهرة إلى أصحابها الأصليين معللا السبب في أن الاستجابة للمطلب الهندي سيفتح الباب على مصراعيه لمطالب مماثلة من مستعمرات بريطانيا السابقة في آسيا وأفريقيا "بما سيجعل المتحف البريطاني خاليا من النفائس".وبهذا التعليل الذي يبدو أن "كاميرون" استعجل فيه ولم يحسب عواقبه بدقة، أكد الزعيم البريطاني أن مقتنيات المتاحف البريطانية عبارة عن مسروقات تعود ملكيتها إلى شعوب وأمم أخرى.على أن رفض "كاميرون" القاطع لإعادة الجوهرة الثمينة المسروقة، لم يثن الهنود عن محاولات الاستحواذ عليها مجددا، مسترشدين في مسعاهم بسابقة ناجحة، ونعني بذلك سابقة نجاح القنصل الهندي الأسبق في لندن " باسكار غورباد" في الحصول على حكم قضائي من المحاكم البريطانية بإعادة تمثال "ناتراج" البرونزي، الذي يرمز إلى آلهة الرقص عند الهندوس، إلى الهند. حيث قدم القنصل المذكور مرافعة بليغة أمام القضاء البريطاني أشار فيه بالأدلة القاطعة إلى أن القسم الهندي في متحف فيكتوريا وألبرت البريطاني مليء بالنفائس الهندية المسروقة، بل أن مساحته لا تسع إلا لعرض 2 بالمئة فقط من تلك المسروقات.لكن ما هو موقف نيودلهي الرسمي من الموضوع؟ وهل هي متحمسة له بنفس قدر حماس الجماعات الحزبية والبرلمانية و المثقفين والمعنيين بالتاريخ والآثار؟تبدو القيادة الهندية الحكيمة ممثلة في رئيس الحكومة الحالي "مانموهان سينغ" غير متحمسة للموضوع، لاعتبارات كثيرة. فالموضوع في نهاية الأمر معنوي وأدبي ليس إلا، بمعنى أن إثارته في هذا الوقت التي تبدو فيه بريطانيا أقرب إلى الهند منها إلى باكستان (ولا سيما بعد تصريح "كاميرون" الأخير من أن باكستان هي منبع الإرهاب الدولي) ليست من المصلحة القومية العليا في شيء، وربما يضر أكثر مما ينفع.ثم إن الهند التي احتفلت في منتصف أغسطس/ آب المنصرم بمرور 64 عاما على استقلالها عن الهند قد تجاوزت فكرة الانتقام من المستعمر وإحراجه بحكايات السرقة والنهب والاستغلال مثلما تفعل بعض الدول النامية الفاشلة بهدف إلهاء شعوبها. فهي اليوم دولة رائدة ذات اقتصاد منيع، وقدرات نووية وعسكرية وعلمية مهابة، وخزائن تفيض بالعملات الصعبة واكتفاء ذاتي في الطعام، علاوة على انتشار أبنائها في كل بقاع الأرض، وسيطرة الكثيرين منهم على مفاصل اقتصادية وصناعية في بلد مستعمرهم السابق.وأخيرا فإن ماسة "كوهينور" – إذا ما افترضنا موافقة لندن على إعادتها إلى الهند – ستجلب معها الصداع والمشاكل، على اعتبار أن دولا عدة ( باكستان وأفغانستان وإيران) تتنازع ملكيتها رغم اعترافها وإجماعها المبدئي بأن مصدرها هو ناحية "غونتور" في ولاية "أندرا براديش" الهندية الجنوبية التي عـ
كوهينور
نشر في: 14 سبتمبر, 2010: 04:50 م