TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عمودشناشيل عدد(2617)

عمودشناشيل عدد(2617)

نشر في: 9 أكتوبر, 2012: 08:00 م

على خلفية مكالمة تلفونية

"لا أحتاج إليها". كانت هذه، في ظنّي، أهم جملة قالها لي رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني خلال المكالمة التلفونية التي بادر هو شخصياً بها أمس ليشكر عما كتبت في اليومين الماضيين وليوضّح... "لا أحتاج إليها" قالها بتلقائية وبلهجة صادقة.
أراد الرئيس بارزاني أن يؤكد مرة ثانية أن لا علاقة له من قريب أو بعيد بشريط الفيديو الذي تضمن أغنية تمتدحه، بل انه لم يكن يعلم بوجودها إلا عندما قرأ "شناشيل" أول من أمس، وقال انه ليس راغباً لا في الأغاني ولا في أي شكل من أشكال الثناء، وأكد بنبرة واثقة: "لا أحتاج إليها".
ماذا يعني ألاّ يحتاج الزعيم السياسي، وكل سياسي، إلى المديح الذي غالباً ما يأخذ في بلداننا أشكالاً فاقعة تدخل في باب التطبيل والتزمير؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في الجواب على سؤال آخر: مَنْ مِن السياسيين يحتاج إلى هذا التطبيل والتزمير؟ بالتأكيد هو الذي لا يثق بنفسه.. هو الذي لا تاريخ له، وبالتحديد التاريخ المشرّف.. هو الذي يعرف في قرارة نفسه انه يفتقر إلى الموهبة والكفاءة والخبرة اللازمة.. هو الذي يدرك انه جاء إلى موقعه في غفلة من الزمن ومن الناس أيضاً.. هو الذي يعرف أن الآخرين يعرفون ما يعرفه عن نفسه، وانه بسبب ذلك ليس موضع احترامهم.
ثانية أقول إنني عندما كتبت عن شريط الفيديو الغنائي كنت أدرك أن السيد بارزاني لا يرغب في هذا النوع من الدعاية.. أدرك ذلك من لقاءاتي العديدة معه (الصحفية والشخصية والعامة) التي يرجع تاريخ أولها إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ومن علاقاتي مع العديد من المحيطين به. وقد خشيت عليه أن يُوضع في منزلق لا أرغبه له ولا لغيره من الزعماء في هذه البلاد التي لم تزل تعاني المحن والويلات بسبب الطغيان السياسي والنزعة الذاتية المفرطة لحكامها المتعاقبين.
النضال ضد ذلك الطغيان وتلك النزعة أخذ من أعمارنا، نحن الذين بقينا على قيد الحياة حتى الآن، عقوداً عديدة.. أخذ عمر الشباب كله. وفي نهايته وجدنا أن ذلك الطغيان وتلك النزعة قد أخذا من البلاد كل شيء.. ثرواتها وشبابها وكفاءاتها وحياتها وكرامتها ومستقبلها. لكننا ما زلنا هنا في بغداد في وضع يحتّم علينا أن نخوض نضالاً مماثلاً ضد انبثاق ذلك الطغيان من جديد وضد إعادة إنتاج تلك النزعة المدمرة.
لدينا هنا في بغداد معركة ضروس مع سياسيين من النوع الذي يرى انه يحتاج أمسّ الحاجة إلى الثناء والمديح والتزلف والتملق، فيشترون الذمم والضمائر بأموال المستشفيات المهملة والمدارس الآيلة أبنيتها للانهيار على رؤوس بناتنا وأبنائنا.. بأموال الزراعة المتدهورة والصناعة الخربانة.. بأموال الكهرباء التي صارت مأساة بحجم مآسي العراقيين الكبرى عبر التاريخ من الطوفان العظيم إلى كربلاء وخراب بغداد والأنفال والكيمياوي والمقابر الجماعية، والى الإرهاب الذي يسجّل كل يوم انتصاراً على دولتنا المُلفّقة.
شكرا كاك مسعود مرة أخرى.. شكراً لأنك تقرأ ما نكتب، ولأنك تتفاعل مع ما نكتب (يهمنا ألاّ ينشأ نظام تسلّطي في الإقليم الذي نريد له أن يكون مثالاً لإمكانية بناء الديمقراطية في البلاد)، وعسى أن تضرب زعماءنا في بغداد صاعقة الهداية ليقرأوا ما نكتب عن طغيانهم ونزعاتهم المدمرة وليتفاعلوا مع ما يقرأون وليدركوا انه انتهت منذ زمن بعيد عصور الآلهة المخلدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التشكيلة الاساسية للمنتخب الوطني أمام اليمن

اكتشاف مقبرة جماعية تضم عشرات الضحايا في المثنّى

الجولاني: تحرير سوريا أنقذ المنطقة من حرب عالمية ثالثة

العراق يحتل المرتبة 70 في مؤشر الجوع العالمي لعام 2024 ويحقق تحسنًا طفيفًا

أفراد الجيش السوري السابق يسلمون أسلحتهم لهيئة تحرير الشام

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

العمود الثامن: تذكروا أنكم بشرٌ

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

 علي حسين في قراءة الكلمات التي كتبها الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الامارات، وهو يهنئ الفنان العراقي ضياء العزاوي لفوزه بجائزة " نوابغ العرب " ، نعيد اكتشاف تلك المقولة التي كتبها...
علي حسين

قناديل: هدايا (الرفاعي)

 لطفية الدليمي كلُّ كتابٍ ينشره الدكتور عبد الجبار الرفاعي هو هدية حقيقية لقرّائه. أسبابُ هذا كثيرة لعلّ أوّلها هو حفره في أرض صلبة كأنّها الصخر. هو يعرف قبل سواه أنّ هذه التربة الصخرية...
لطفية الدليمي

قناطر: البندقية أم علبة الألوان؟

طالب عبد العزيز في حساب الربح والخسارة أقول بأنَّ علبةَ الألوان أثمن من البندقية. والحقَّ نقول بأن المنطقة العربية التي اعتمدت الإسلام السياسي طريقاً لأنظمتها هي المتسبب بخسارة الشعوب لكثير من مواطنيها وثرواتها، نعم،...
طالب عبد العزيز

الإبداع وروح الأسرة

ياسين طه حافظ هو هذا ما نحتاج له، احياناً من دون ان ندري واحياناً، وهي ساعات الوعي، ندري ونسعى لان نمتلك ونمارس. ما اتحدث عنه، هو الحميمية التوافقية، او "الاسرية" في خلق بيئة، وسطٍ،...
ياسين طه حافظ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram