TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من يقنع كردستان بالانفصال؟

من يقنع كردستان بالانفصال؟

نشر في: 27 نوفمبر, 2012: 08:00 م

 اضطرني الشباب على فيسبوك البارحة الى استخراج مقال قديم كتبته في كانون الاول ٢٠١٠، ونشرته يومها في جريدة "العالم" تحت عنوان "من يقول للاكراد انفذوا بجلدكم؟" فقد انهالوا علي بالسب والشتم وتهم العمالة للعجم والعرب، لانني تحدثت عن كلمة لرئيس اقليم كردستان ذكرتني بنواح مدينتي البصرة، واتهمني احد الاساتذة بأني منحاز يغير موقفه، فأعدت نشر المقال القديم عسى ان اقنعهم بأن رأي الثلاثاء قديم ايضا.
والحقيقة انني متعود على الشتم هذا وهو لا يسبب لي اي الم شخصي، ذلك انني مدمن على نقد السلاطين واكتشاف مفارقاتهم وتناقضاتهم والتحذير من تبعات طريقتهم في العمل. والاعتراض على مالك المال والسيف امر مكلف ادنى اثمانه ان نتعرض للشتم. وفي النهاية فان الالم الوحيد الناتج عن ردود الفعل هذه هو عجزنا عن ادارة حوار يتخلى عن البذاءة ويتأنى في اتخاذ قرار القطيعة، والغريب ان الكاتب ينفق ساعات في كتابة عمود صحفي، فيأتي شاب يقرأ المقال في دقيقتين، وبدل ان يتدبر في معلومات وتساؤلات كثيرة، فإنه ينهال بالشتم بسهولة.
وفي النهاية فان الاختبار المدني هو قدرتنا على ان نعيش مع بعض في سلم اهلي رغم تناقض تصوراتنا، وهو درس غربي لا ادري متى يتعلمه الشرق، او شرقنا نحن على الاقل.
المقال القديم المنشور في العالم ناقش فكرة بسيطة، مفادها ان سلوك جيشنا ومخابراتنا وقياداتنا الحكيمة وفشلنا الاداري، ومسارعتنا يوميا الى استفزاز تركيا وشتم الكويت والسعودية وقطر، ولعن تونس والمغرب واليونان ونيكاراغوا، وطرد رحيم العكيلي وسنان الشبيبي، واعتقال ٣ الاف عربي خلال يومين بتهمة انقلاب لم نعرف عنه اي شيء رغم مرور سنة عليه.. وطردنا لفرق موسيقية جاءت للعزف في بابل، وسيركا روسيا جاء ليسلي اهل البصرة، فضلا عن صولات الحاج كامل الزيدي والالوية الخاصة لسلطاننا في ملف الحريات.. وتلذذ حاكم بغداد في التحكم بمحافظ البصرة والرمادي والحلة..الخ، كلها امور تجعل الكردي الواقف على الجبال البعيدة، يستعيذ بالله الف مرة ويسأل نفسه: هل حقا ان حكومة كهذه تريد ان ترسم مصيري؟
ان كل ما يحصل في بغداد يجعل الكردي يفكر الف مرة برسم حدود حديدية تحميه من كل رعونة السياسات البدائية والعقول الفاقدة لبوصلتها والقرارات غير المفهومة. ان ما نفعله بأنفسنا نحن العرب لن يشجع الاكراد الا على المزيد من الاجراءات التي تعزلهم عنا. هل بالغت في وصف او قمت بتهويل حال؟ وهل خنت قومي الذين يسخر منهم ساستنا ويضحكون عليهم من الهة خراب صدام حتى طاقم العباقرة الحالي، الذي ينهب البلاد دون ان ينجح في رفع القمامة والاوحال من شوارعنا بدءا بوزيرية بغداد وانتهاء بتنومة البصرة؟
وبشكل عام فان المشاعر العربية الكردية اليوم وطريقة كل طرف في التعبير عن غضبه من الطرف الاخر، لا تبشر بخير، وهي توحي بان قسما كبيرا من اهلنا لم يستفيدوا من دروس الماضي، ولم يراجعوا منطق التسرع والعصبية الذي ورطنا في حرب طاحنة مع ٥٠ دولة خلال اخر ٣٠ سنة، كانت نتيجتها ان ارقى حي في بغداد يعيش ظروفا اسوأ من الاحياء الشعبية في رام الله.
بعد كل ما حصل، لم يتعلم ساستنا لغة الدبلوماسية في حوارهم مع انقرة او طهران، ولم يتعلموا ان يجعلوا السلاح خيارهم الاخير. سلطاننا لم يكلف نفسه خوض حوار مع رئيس الجمهورية جلال طالباني قبل ان يحرك دبابات نحو طوزخورماتو، ونسي بسرعة ان الرجل هو الوحيد الذي القى له بطوق نجاة في عملية سحب الثقة خلال الصيف الماضي.
وشعبنا ينسى بسرعة كيف ان العديد من السلاطين يحاولون اشغال الناس بحديث الحرب كي تنسى الرعية فساد الساسة وفشلهم وخيانتهم، ولكي ننسى ان ٢٩ في المائة من اهل العراق يعيشون في "الحواسم" بعد ١٠ اعوام على سقوط صدام حسين، وبعد انفاقنا ٦٠٠ مليار دولار جعلت القيادات الحكيمة في مصاف المليارات وتركت مدننا الكبيرة تشبه قرى افريقية تعرضت لاعصار كوني.
ما تفعلونه بأنفسكم يشجع الاكراد وغيرهم على وضع الف حد فاصل مع العراق، اما لغة الحوار التي اتألم حين ارى الشباب لا يحسنون غيرها، فهي محرقة مخيفة في زمن انفجار الهويات الطائفية والعرقية. وحين يشبه الحاكم اسوأ محكوميه في زمن كهذا، كما كتبت قبل ايام، فإن على معظم احلامنا السلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. احمد الجاسم

    دومك متالق استاذنا الفاضل

  2. Falah ameen

    مقالاتك أستاذ سرمد تفيض بالعقلانية والمناقشة الهادىه التي يفتقدها البعض الذين لأهم لهم سوى الزعيق والصراخ دون التروي ... أمض قدما سدد الله خطاك.

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram