TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى :الحجيج إلى العواصم الثقافية العربية

تلويحة المدى :الحجيج إلى العواصم الثقافية العربية

نشر في: 17 سبتمبر, 2010: 04:43 م

شاكر لعيبيقبل الخوض في مغزى العنوان المختار لهذه الكلمة سأبدأ بسرد الحادثة العابرة التالية: دعتني دار الحامي التونسية لأمسية شعرية في صفاقس مع الشاعرين منصف الوهايبي ونزار شقرون يوم الرابع من شهر أيلول- سبتمبر الجاري.
 ولمّا لم أكن قادراً على الحضور بسبب وجودي في أوربا، أصرّ منظم الفاعلية شقرون على حضوري بطريقةٍ من الطرق، كأن أكتب كلمة اعتذارية وأرسل نصوصاً لتقرأ نيابة عني. كنتُ راغباً في التواجد بالفضاء الذي تقع فيه الأمسية، وفي بلدٍ داخلني وداخلته منذ ستّ سنوات حتى صار قطباً في روحي، أتيمّن بالناصع النقيّ من ثقافته وأراني فيها. وعلى رغم المشقة التي لم تسمح لي بحضور الدعوة، فإنني كنت أود أن أُصْلح ما تفسده الجغرافيا عبر كلمةٍ حميمة.حسب تجاربنا، لا يُحسب حسابٌ كبير، لولاية مغاربية صغيرة بحجمها، كبيرة بقلبها، ولا لِمَا يُعتبر عادة هامشاً ثقافياً عربياً، لا تجري فيه مبادلات علنية للمنافع الشخصية، كما هو الحال جهاراً نهاراً، لكن بقفازاتٍ حريرية، في العواصم الثقافية العربية الكبرى: لبنان ومصر اليوم. البساطة التامة هي ما يمكن أن يشعّ من حضور كهذا، البساطة العميقة التي طالما ألمح ماريا ريلكه إليها في أشعاره ومراسلاته، وليس أبهة الاحتفالات في أماكن أخرى، فيها الكثير من الملتمع من معدنٍ يشابه الذهب. وددنا يومها الاستماع إلى شعر نحبّه طالع من شعراء نقدّرهم من دون فخامة مسبقة محبوكة. كان هناك جيلان في الأقل يمثّلان الشعر التونسيّ المعاصر الذي لم يجد بعد المكانة التي يستحقها في النقد العربي ومنابره المحكومة بالإثرة والتحيّز. هذا الأخير لا يمكن سوى أن يكون الحاضر الأكبر في الحقل الجماليّ والشعريّ والتشكيليّ طالما أنه حاضر بشراسةٍ في أماكن أخرى لا تقلّ فاعليّة في المجتمعات العربية. يشتغل البعض في هذا البلد التونسي بصمتٍ وبوحدةٍ من دون أن يثير حماساً كبيراً في المراكز الثقافية العربية، منظوراً إليه بصفته من دون تأثير وبصفته متلقياً ومُمجِّداً وكوكباً تابعاً وليس شمساً. ينطبق الأمر على ثلة من مثقفي ليبيا وشعرائها المكتفين بالمراقبة والصمت، وعلى المغرب بدرجة أقلّ لأن الفاعلية النقدية لا تُجارى فيه. لكنني أعرف تونس بسبب العشرة، والماء والملح كما يُقال, وأضيف لذلك الهواء الكريم الذي نتنفسه جميعاً فيها. ومهما كانت اعتراضاتي على ضيافة بعض المثقفين التونسيين لمَنْ لا يتوسّمون فيه سطوة ثقافية عربية ومنفعة يجتنونها منه، فإنني أرى أن جُلّهم مشغولٌ بالحقيقيّ ذي الوجوه المُلتبِسة. ليس بالبروتوكولات الثقافية بقدر اهتمام الأصلاء منهم باللقاء الحميم بين الحسّاسيات الرفيعة والفعل الثقافي الأصعب: الشعر مثلاً الطالع من أي بقعة ومن الكائن الآدمي. رغبة الاتصال بالآخر قوية عموماً هنا، وهذا ما تبرهن عليه مادة الصحفية والشاعرة آمال موسى، في جريدة (الشرق الأوسط) عن اندفاع التونسيين عبر الفيس بوك إلى التواصل، حسب معطيات ملموسة في كلمتها.وخلافاً لأقٌرانهم، وربما بسبب ظروف خاصة، لم نعهد من غالبيتهم حتى الآن حجيجاً مكرّراً إلى العواصم الثقافية العربية. حجيجاً، يصير اللحظة قاعدة ذهبية، وتمسُّحاً وطلباً للاعتراف بالموهبة والحضور في الإعلام الثقافيّ العربيّ الرائج. ليس بسبب عدم قدرة على التنقل أو السفر، لكن اكتفاءً ذاتياً، يحمل في طياته مجده ومقتلته في آن واحد. مجده لأنه يعتز بمنجزه الإبداعي وميّزاته المحلية وظلاله وتاريخه، ومقتلته لأنه ينغلق على نفسه حتى أن بعض المثقفين لا يعرفون إلا حدود الجادة الرئيسية في العاصمة ومقاهيها مجالاً لنشاطهم، وبعضهم لا يقرأ لغيره كثيراً. هذه الوضعية تُقارَن اليوم بالوضع العراقيّ الذي ظل منطوياً على مجده التليد في حدود لقاءات "اتحاد الأدباء" قرب بارك السعدون يوماً من الأيام، ولفترة طالت أكثر من اللزوم، ثم في الأصبوحات واللقاءات المحلية من كل نوع، مكتشفاً مقتلته في هذا الانطواء على الذات، ساعياً إلى الانفتاح على مراكز الثقافية العربية ذات التأثير لكن بثمن حجيج موسمي إليها، ابتدأ بترتيب قراءات شعرية للشعراء اللبنانيين أولاً، وليس السوريين أو المغاربة، على نهر دجلة. ثم حجيجاً صريحاً مباشراً, قاد الكثيرين للإقامة النهائية في تلك العواصم. يعتقد البعض أنه أكثر دهاءً ممن سبقه. وسيكتشف بعد حين أن هذا الحجيج، في هذا الوقت المعتم بالضبط، لا مصلحة له فيه وإنما لغيره من المبدعين. إنه يذهب هناك طلباً للاعتراف. وهذا شيء مشروع كما نعلم لكن ليس بأي ثمن. كلمة شوقي عبد الأمير في جريدة (الأخبار) مؤثرة عن عدد حضور الأمسية الشعرية في مسرح بابل من أجل الإعلان عن مجلة "بيت" الشعر. ولكي لا نمنح أحداً المناسبة في التشكيك بنوايا هذه الكلمة نقول إن العواصم المعنية عزيزة بعمق عميق على قلوبنا وأن شعراءها أعزّة كرام منتجون، وكله لا يقع في نطاق ملاحظتنا إنما فكرة الحجيج نفسها ومغزاها في هذا الوقت بالضبط، لا بالأمـــس ولا غـــداً.في نطاق حجيج رمزيّ وليس جغرافياً يمكننا أن نتذكّر الكتابات النقدية المتواصلة والمتابعات الصحفية والترجمات المبكّرة إلى اللغات

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram