(2 - 2)
الملاحظة الثانية تتعلق بالدول الاستبدادية التي تعيد مسودة الدستور إنتاجها، يكفي قراءة المواد من 134 وحتى 159 ،وهي المواد الخاصة برئيس الجمهورية، لندرك أن الرئيس في مشروع الدستور الإخواني السلفي يتمتع بالسلطات نفسها التي كانت لمبارك والسادات من قبله في دستور 1971، فالرئيس «يراعي الحدود بين السلطات» طبقا لنص المادة 134، أي أنه فوق السلطات الثلاثة: التنفيذية والتشريعية والقضائية رغم أنه طبقا لنص هذه المادة نفسها (134) هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية (!)، والرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو الذي يعلن الحرب (مادة 151) ويضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها (مادة 145) ويسمي رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة (مادة 144) ويلقي بيانا حول السياسة العامة للدولة في جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان (مادة 149) ،وله أن يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل المهمة التي تتصل بمصالح الدولة العليا (مادة 159) متخطيا بذلك كل السلطات، ويعين الموظفين العسكريين ويعزلهم (مادة 152) ويعلن – بعد موافقة الحكومة – حالة الطوارئ (مادة 153) وله حق العفو عن العقوبة أو تخفيفها (مادة 154).
وكما يقول د. محمد نور فرحات فقد نصت المادة 146 من مسودة الدستور على أن رئيس الجمهورية يتولى سلطته بالاشتراك مع رئيس الوزراء ونوابه والوزراء في ما عدا اختصاصات محددة ورد النص عليها حصرا فيمارسها بمفرده، وهي الاختصاصات الواردة في المواد 143 و149 و150 و152 و153 من الدستور وهي كلها اختصاصات على درجة من الأهمية والخطورة لا نعرف سبب نص مسودة الدستور على استئثار الرئيس بها، رغم أنه من غير المتصور أن يكون بمقدوره ممارستها «في ما عدا تعيين رئيس الحكومة» دون عون من الحكومة وجهازها التنفيذي.. «ومن اللافت للانتباه أنه بالنسبة للاختصاصات التي يمارسها الرئيس مع الحكومة، حرصت مسودة الدستور على أن تستخدم تعبيرا غائما غير منضبط وهو تعبيرمشاركة الحكومة للرئيس في ممارسة هذه الاختصاصات، ولفظ الاشتراك أو المشاركة في مجال القانون الدستوري «على خلاف القانون الجنائي» لفظ غير منضبط، الاشتراك في مجال القانون الجنائي يكون بالتحريض أو المساعدة أو الاتفاق على ارتكاب الجريمة، لكننا هنا لسنا بصدد جريمة ترتكب، بل بصدد ممارسة للحكم، ومن هنا يفهم الاشتراك في النص الدستوري بمعنى المعاونة، أي أن الحكومة ستعاون الرئيس في ممارسة سلطاته الأخرى، عدا ما انفرد به من سلطات حصرا بنص الدستور، والمعاونة أو الاشتراك السياسي لفظان غير منضبطين قد يعنيان مجرد المشورة وأخذ الرأي.
والأخطر أنه بالرغم من هذه السلطات الواسعة والمطلقة التي تكاد تحول رئيس الجمهورية إلى صاحب القرار السياسي والتنفيذي والإداري الوحيد، فلا يوجد نص واحد حول مسؤولية الرئيس السياسية «حال كونه يحكم شؤون مصر من ألفها إلى يائها» إن رئيس الجمهورية في الدستور الإخواني السلفي «يملك ويحكم» ولا يسأل عما يفعل!!
ويلفت المستشار طارق البشري النظر لقضيتين مهمتين :
الأولى هو سماح مسودة الدستور لرئيس الجمهورية بأن يكون مزدوج الجنسية يحمل مع جنسيته المصرية جنسية دولة أخرى حلف لها يمين الولاء وأقسم بانتمائه لها، وتجيز له أيضا أن يكون من أبوين مزدوجي الجنسية وأن يكون متزوجا من أجنبية «رغم أن الدبلوماسيين حتى من أصغر الرتب ممنوع عليهم التزوج من أجنبية، فما بالك برئيس الدولة الذي يمثلها بين دول العالم أجمع، ورغم أن العسكريين حتى من أصغر الرتب ممنوع عليهم ذلك أيضا، فما بالك بالقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أن ثمة أحكاما من المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة يمنع مزدوج الجنسية من أن يتولى منصبا ذا ولاية عامة، وحرمت عضو مجلس الشعب من عضويته لهذا السبب، وسندت حكمها بأن حلف يمين الولاء لدولة أخرى يجرده من إمكانية توليه هذه الولاية العامة.
المثير للدهشة أن مسودة الدستور قبل الأخيرة كانت تمنع رئيس الوزراء والوزراء من أن يكون أي منهم مزدوج الجنسية وتشترط فيهم جميعا أن يكون مصريا غير حامل لجنسية دولة أخرى، ولكن تم حذف النص في مسودة 5 نوفمبر 2011!!
الثانية تتعلق بالمادة 147 التي تجيز لرئيس الجمهورية أن يفوض بعضا من اختصاصاته لرئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو المحافظين «وذلك على النحو الذي ينظمه القانون»، ويلفت البشري النظر إلى أنه مادام أن القانون هو الأداة التي تنظم التفويض فكيف يصدر قانون يجيز لرئيس الجمهورية أن يفوض ما ترك على سبيل الحصر والتخصيص له، سواء حل مجلس النواب أو تعيين عسكريين أو غير ذلك «إبرام المعاهدات – إعلان الحرب – إعلان حالة الطوارئ»، وذلك مادامت هذه الاختصاصات مستبعدة مما يتولاه رئيس الجمهورية بواسطة وزرائه «بمعنى أنه هل يجوز للقانون الذي تصدره السلطة التشريعية أن يجيز تفويض رئيس الجمهورية في سلطته المحتجزة دستوريا له، يجيز التفويض فيها للوزراء والمحافظين؟! وإن كان ذلك كذلك فلماذا استبعدت هذه الاختصاصات مما يتولاه رئيس الجمهورية بواسطة وزرائه طبقا لنص المادة 146؟ «الأمر يدعو للحيرة».
انتهاك استقلال القضاء
الملاحظة الثالثة تتعلق بالسلطة القضائية واستقلالها، فالمواد من 173 وحتى 181 التي وردت في باب «السلطة القضائية» تنتهك استقلال القضاء، ويشوبها قصور في الضمانات التي تدعم استقلال القضاء وغموض حول دور النيابة العامة.
- فهناك «شذوذ واعوجاج في تعريف السلطة القضائية» فاعتبرت المادة 175 النيابة المدنية والنيابة الإدارية من قبيل الهيئات القضائية، متجاهلة أن «القضاء هو الفصل في الخصومات» وبالتالي لا ينطبق لفظ القضاء إلا على القضاء العادي و«النيابة العامة» ومجلس الدولة.
- غموض النص الخاص بالنيابة المدنية (المادة 179).
- حصر اختصاص النيابة العامة في سلطة الادعاء دون التحقيق (المادة 178) وهي الصيغة التي تمنحها الصفة القضائية ابتداء، والفصل بين النيابة العامة والقضاء رغم استقرار المناخ التشريعي المصري عن كون النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب القضاء.
- إقحام مادة خاصة بالنائب العام بهدف إقصاء النائب العام الحالي (مادة تفصيل) وهي المادة 178 التي تحدد مدة النائب العام بأربع سنوات، وأصبحت هذه المادة تسمى بين رجال القضاء وفي الإعلام «مادة المستشار عبدالمجيد محمود»!
- إهدار أهم الضمانات التي تحول دون تغول السلطة التشريعية علي نظيرتها القضائية، وهي لزوم موافقة المجالس القضائية العليا على القوانين المزمع تعديلها بشأن السلطة القضائية بواسطة السلطة التشريعية، «حتى لا يترك شأن القضاء والقضاة لتتخبطه رياح أهواء التيارات السياسية بين التوافق والخصومة».
- عدم النص على لزوم المساواة بين جميع الهيئات القضائية، وهو الأمر الذي يفتح باب التمييز دون موضع أو مقتضى.
- خلو مسودة الدستور من نص يلزم جهات الدولة بتنفيذ كل أحكام القضاء التي تتوافر لها صفة الإلزامية.
- خلو النص من وجوب تحصين الأحكام ومصدريها من التناول بالقدح أو المدح في غير الأوساط العلمية على أيدي المتخصصين.
عدوان على المحكمة الدستورية
الملاحظة الرابعة خاصة بالمحكمة الدستورية العليا (المواد من 182 وحتى 185)، فقد خلت هذه المواد من اختصاصات ثلاث رئيسية للمحكمة الدستورية العليا حازتها ومارستها في ظل دستور 1971 وهي الفصل في تناقض الأحكام النهائية، ومنازعات التنفيذ الخاصة بأحكام المحكمة الدستورية، وطلبات أعضاء المحكمة.
وهناك غموض متعمد في ما يتعلق بتشكيل المحكمة وتعيين أعضائها ورئيسها، فالمادة 183 اكتفت بالقول «يكون تعيينهم ممن يرشحون وفقا للقانون بقرار من رئيس الجمهورية».
ولا يمكن قراءة هذا النص بعيدا عن النص المقابل في المسودات السابقة في 14 و24 أكتوبر 2012، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 183 على أن أعضاء المحكمة الدستورية العليا «يختارون بناء على ترشيح من الجمعيات العمومية للمحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض ومجلس الدولة ومحاكم الاستئناف وفقا لما ينظمه القانون»، لقد تراجعت الجمعية التأسيسية «الإخوانية – السلفية» شكليا أمام اعتراض المحكمة الدستورية العليا الذي انصب على إعطاء رئيس الجمهورية سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة «بما يشكل ردة غير مسبوقة عن مبدأ استقلال واختيار قضاتها، كما يمثل تسليطا لإحدى سلطات الدولة وهي السلطة التنفيذية على سلطة أخرى على نحو من شأنه أن يتجاهل ما ناضلت من أجله المحكمة الدستورية العليا بعد ثورة 25 يناير، بما يقصر سلطة تعيين رئيس وأعضاء المحكمة على الجمعية العمومية للمحكمة» كما اعترضت على تولي هيئات قضائية أخرى ترشيح أعضاء المحكمة الدستورية العليا، وأقول تراجعا شكليا لأن إحالة تشكيل المحكمة وتعيين أعضائها للقانون سيتيح للسلطة التشريعية تطبيق هذا النص الذي تم رفعه من مسودة الدستور.
والنص في المادة 184 من المسودة على اختصاص المحكمة الدستورية بالرقابة السابقة على دستورية مشروعات القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، من شأنه – كما قالت المحكمة الدستورية العليا في اعتراضها على مسودة الدستور الصادرة في أكتوبر الماضي – «أن يحصن القوانين من الرقابة اللاحقة على نحو غير ملزم للسلطة التشريعية أن تلتزم بما أبدته هذه المحكمة من أوجه العوار الدستوري بقرارها الصادر بهذا الشأن.. فيجوز أن تفصل المحكمة الدستورية في مدى دستورية نص أو أكثر ويتم إرساله للبرلمان، ولكن يقوم المجلس التشريعي بتفسيره تفسيرا خاطئا ويتم تطبيقه بشكل لم تقصده المحكمة الدستورية في حكمها، ولا يمكن الطعن على النص وإعادة القانون للدستورية العليا لمعرفة مدى تطبيق حكمها من عدمه».
وهناك مواد أخرى متفرقة بها عوار واضح أشار إليها عدد من الناقدين لهذه المسودة.
في ضوء هذه الحقائق تصبح الدعوة لإسقاط الجمعية التأسيسية وإسقاط مسودة الدستور «الإخواني السلفي» ضرورة وطنية، يتحمل مسؤوليتها كل الأحزاب والقوى السياسية والحركات الاحتجاجية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات، مجتمعة كلاً على حدة، وفاءً للشعب ولثورة 25 يناير.
* كاتب وسياسي مصري
جميع التعليقات 1
محمد محمود
لايختلف عاقلان على ان الاحزاب الدينية المتزمته لاتؤمن بالتطور وتؤمن بالثأر ممن يعارض سياساتها التي تضعها هي (والدين منهابريء)..ومن خلال القراءة ومعاصرتنا لما يجري الان على الساحة العربية نجد ان الاحزاب الدينية السلفية سيطرت أوباتت تسيطر على زمام الامور في