TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: مزيفو الوطنية

العمود الثامن: مزيفو الوطنية

نشر في: 18 سبتمبر, 2010: 05:07 م

علي حسينيحفل العراق اليوم بمجموعة جديدة من السياسيين يتحدثون باسم الوطنية ويحتكرون حديث الوطن والمواطنة  ويصدرون الأحكام على هواهم، الوطنية عندهم كرسي يجلسون عليه ومنصب يورثونه لمن بعدهم، أنا أيها السادة  من جيل فتح عينيه فوجد أمامه قامات كبيره أمثال محمد سلمان حسن، الرجل الذي رفض ثلاثة عروض لمنصب وزاري قدمته له  ثلاث حكومات متتالية،
 فكان ان أدى به الرفض الأخير إلى أن يصبح نزيلا لمستشفى الأمراض العقلية، هناك تعمد جلادوه  تجهيز المجانين بالهراوات للقضاء عليه، وحين أفرج عنه كان قد أنهك فمات بعد فترة قصيرة في أوائل  عام 1989. لم يكن سهلا على طالب عراقي  في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ينتمي إلى حركة اليسار  يقف في وجه الحكومة،يصر ويعاند بالرغم من  سحب جواز سفره وفصله من البعثة الدراسية في ان  يكمل تحصيله العلمي لينال دكتوراه  في الاقتصاد من اعرق جامعات العالم " اكسفورد”  ويصبح بعدها واحدا من ابرز العقول الاقتصادية في العالم، ولتضعه الظروف مرة أخرى في مواجهة مهمة شاقة، وهي مكان بارز في الطاقم الذي سيهندس السياسة الاقتصادية للجمهورية العراقية الفتية عام 1958. كان من جيل الحب والعطاء لا جيل القسوة والفظاظة والطمع. صبي يمرض والده فيعمل لإعالة عائلته، يعمل العمل الوحيد الذي عثر عليه عامل بناء، يحمل الطابوق وينام على الاسمنت، وفي المساء كان الكتاب عالمه ودنياه. أي كتاب يمكن العثور عليه، ولم يعلم محمد سلمان نفسه العربية فحسب بل الإنكليزية والفرنسية والألمانية أيضاً. وكان يقتصد في شراء اي شيء ألا الكتاب..ومضى  يدرب نفسه كيف يصبح شيئا عظيما ينهض من ركام الفقر وأزقة اليأس.. فكان النجاح حليفه وكانت الوظيفة والمنصب تسعى  إليه لا يسعى إليها، يعود إلى الجامعة التي شهدته طالبا فقير الهيئة غني الفكر  فيصبح احد أعمدتها، لا أحد مثله عرف معنى الكفاح  ولا أحد مثله عرف معنى الأمل. وظلت في كتاباته - برغم خشونة موضوعاتها -، طراوة المعنى وحلاوة اللغة، ودقة المعلومة.،.كتابات نرى من خلالها  أعماق الناس وتجليات الأوطان  وروح المواطنة، ولم يعش لنفسه، بل قسم حياته بين الوطن  والأحلام.، العمل من اجل الواقع  والحلم في المستقبل.    ترك الدكتور محمد سلمان حسن عشرات الدراسات والبحوث والمقالات، إضافة الى ترجماته وكتبه، ومحاضراته في المحافل الوطنية والدولية  وكتاباته حول جوانب مختلفة من الاقتصاد العراقي.كتب عالم الاقتصاد الراحل اوسكار لانكة في مديح محمد سلمان حسن:"انني أقرأ كتاباته منذ سنوات بمتعة علمية، دائما اتعلم منه، دائما استدل على القضايا الإنسانية والفكرية في عالم مزدحم بالافكار والصراعات ".هذه المرة يذكرنا رجل بحجم محمد سلمان حسن بضآلة أحجامنا، وبان المواطنة  ليست شهادة مزورة يحملها المرء ليعرضها في سوق المناصب، واننا ندخل بنجاح عصر الفاشلين والكسالى الذين ما سعوا الى شيء إلا لخراب الاوطان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram