TOP

جريدة المدى > سينما > سينمـــــا الأبعـــــاد الثلاثــــــة وإشكاليــــة التـــــلقي

سينمـــــا الأبعـــــاد الثلاثــــــة وإشكاليــــة التـــــلقي

نشر في: 28 نوفمبر, 2012: 08:00 م

 

كل ما يحدث في السينما، هو كما الذي يحدث مع الكاتب عندما يلتقط فكرة ما، وهكذا نرى أن الأبعاد الثلاثة في السينما هي خطوة جديدة، ولعبت دورها في السنوات الأخيرة حتى أنها أصبحت لشباك التذاكر قيمة كبيرة بظهور هذه الأنواع من الأفلام، إن تعامل الشخصيات الغرائبية والفنتازية تتداخل مع الواقع، وهذا شيء لا يحدث ببساطة، وإنما هيمنة الأفكار السوريالية في التجارب السينمائية، والانتقال من لقطة الأبعاد الثلاثة إلى خلق العلاقة بينها وبين المشاهد عن طريق إثارة ذهنه، حيث يمضي البناء الخيالي المشوق للفيلم، ولا نكاد نعثر طوال الفيلم على انتقال ينبع من ضروريات السرد من مشهد الى اخر.
قبل فترة وجيزة كان المخرج "جيمس كاميرون" قد صنع ما يعتبر اليوم واحدا من أفضل إنتاج الأفلام في تاريخ السينما عندما اخرج (تايتنك)، فبعد انجاز المهمة نجح كاميرون في فيلم تجاوزت إيراداته 1,8 مليار دولار. وحصل عام 1997 على إحدى عشرة جائزة عالمية وأعلن للحضور اثناء استلامه جائزة الاوسكار (أنا الآن ملك العالم). فالذي أراده كاميرون للجمهور هو تجربة ينغمس فيها المشاهد كليا في أبعاد الفيلم، لقد بدأ يفكر أن شخصاً مثله بإمكانه تقديم كل ما هو جديد، ويضع له عمقا حقيقيا لدرجة يبدأ معه الدماغ بتشكيل الذكريات والتخيلات.
 فإبعاد الفيلم يخلقه العقل وهل العقل يختار الألوان والألبسة وغيرها؟ نعم بالتأكيد، او ربما هو مزيج من الصورتين، كما في إحدى تجارب "وينستون" حيث عرض كل من الصورتين أعلاه على كل عين، ويظن الناظر أن القرص الرمادي يحلق في منتصف المسافة بينه وبين الدائرة. لكن الصورة في الأفلام الحقيقية لا يمكن عرضها بشكل متطابق في مشهدين. فالمشهد الاول يبدأ وراءها بصنع المشهد الثاني وهذا الامر محسوم وصحيح لدرجة ما، ولكن عرض الصورتين في افلام الابعاد الثلاثة وبشكل غير متصل بعضها ببعض يؤدي الى حالات مربكة للتقييم.
 فالمتفرج المعاصر يريد ان يرى فيلما يندمج مع ذاته من الناحية السيكولوجية، وفي كثير من الاحيان الفيلم المجسم يخلق قصة افتراضية، ويخلق تصورات سوريالية في عمق استراتيجي، وهناك أمور كثيرة في خلق المشاهد بصورة فنتازية، فلو تحدثنا هنا عن خمسينيات القرن الماضي عصر أفلام (كامبو)، حيث يمكن أن نرى جميع الشخصيات بصورة واقعية في آن واحد، أما الأبعاد الثلاثة فإنها خيالية تماما، فأفلام الخيال العلمي تشكل المزيج الفوضوي بين الداخل والخارج، ففي الداخل تتعامل الشركات مع التكنولوجيا الرقمية بصنع الأبعاد الثلاثة، إنها عملية ترابط الشخصيات الواقعية مع الشخصيات الغرائبية او بالأحرى الخيالية كما في فيلم (سيد الخواتم) الذي أخرجه "بيتر جاكسون"، فلا يمكن بلوغ هذه الأنواع من الأفلام بأجهزة عادية، وإنما يمكن بلوغها فقط عبر أجهزة الكترونية متطورة للشركات العالمية. لكن في الخارج يمكن من خلال الاستوديوهات المتقدمة خلق جمالية أخاذة للفيلم، فاغلب الأحيان يستغرق الفيلم مدة من الزمن لإعداد وتنفيذ الحاجة الأولية فقط للمشهد الواحد، أما من ناحية اخرى فبعض المشاهد يفرض نفسه على المخرج وطاقم العمل بتصنيع يدوي مجسم للكائنات والشخصيات، ففي هذه الحالة يكون المزيج بين كلاهما يدويا والكترونيا وهذا فقط في حالة ان فرض السيناريو فعل ذلك.
إن خلق المؤثرات وفرص الاستجابة للأحداث المجسمة وبناء الشكل يجعلنا نستخدم العقل لارتباط الألوان .. اللون الأحمر حيث ننظر لفترة وجيزة ثم يتحول إلى الاخضر وبعد ذلك إلى الاحمر من جديد، وكلتا العينين يأخذان دورهما، وبالتالي دعيت هذه الظاهرة بتنافس العينين للنظر الى المشهد. فالواقع يكون ثابتاً كالسماء والارض، ننظر إلى الأسفل ارض، وننظر إلى الأعلى سماء وهو النمط الذي يعتمده الدماغ في التفسير. فأفلام الأبعاد الثلاثة يمكن التركيز عليها بشكل علمي، لان صناعة هذه الأنواع من الأفلام تستوجب استخدام العقل للتعامل معه، حيث التحام مشهد بمشهد آخر، او لنقل تحويل من لون إلى لون آخر ... حيث إشكالية التلقي هنا تطرح سؤالا: هل يمكن فهم هذه التجربة ببساطة! أو ان عملية الرؤية مستمرة؟ لذا فان جميع الصور مخطط لها.
إن المهمة التي يمارسها مهندسو الكومبيوتر لإعداد بعض التحويرات في علوم لغات الفن حيث يستطيع تحليل رموز كلماتها واستنتاج طريقة استخدامها للرموز في لغة السينما. ويطرح روسلليني: (النظر إلى الإنسان دون الادعاء بما هو استثنائي. فالاستثنائي يمكن بلوغه فقط من خلال الاستقصاء). فجميعنا نعلم أن المشهد السينمائي متى غادر وتحول بمساعدة التكنولوجيا الرقمية إلى الرسوم المتحركة أثار ذهن المتفرج، وهذا عامل أساسي لإنجاح الفيلم، لان أكثر الافلام الهوليودية تنتج بأسلوب تقليدي وهذه الحالة يعتمد عليها أكثر المخرجين الجدد، وغالبا ما تكون افلام الابعاد الثلاثة نهاياتها غير مفبركة، لذلك يكون دماغ المتلقي السينمائي أحيانا لا يمتلك هذه الاستجابة، لان الألوان والإضاءة ينبغي أن تنحصرا في صورة واحدة متلائمة لنفسية المتلقي، ويقول كاميرون: (ما نريد فعله هو إلغاء إحساس الجدار لتصبح الشاشة نافذة نشاهد من خلالها ما يشبه العالم الحقيقي). حيث المشهد يمكن ان يكون نسخة جديدة تماما عن الواقع الحقيقي. فعمليات الأبعاد الثلاثة تتم باستعمال تكنيك الخيال العلمي ويمر موضوع الخيال العلمي سريعاً أمام العين، ولكن لم ينجح بشكل مطرد بل تذبذب ما بين التواصل التي شهدته الخمسينات والفتور التي شهدته الستينات ولغاية بداية السبعينيات. ولم يمض وقت طويل حتى توالت الكتابات والمؤلفات في سنة 1970 وأغرقت السينما في خيارات الانتقاء الأجود والأقرب الى عملية ارتباط الخيال العلمي. أما الكاتب "هربرت جورج ويلز" فقد تحدث وأعرب عن مخاوفه منذ زمن بعيد، وما يمكن أن تخلفه الفنتازيا للعالم في المستقبل. وأجرى العلماء في (جامعة كاليفورنيا) تجارب في حالات للوعي عند الفرد، وفي غضون ذلك حصلوا على تجارب قيّمة. وكذلك بإمكان اي شخص أن يجري بحثا على كلمة خيالية في محرك البحث جوجل أو غيره وسيجد في النهاية عشرات النتائج المغايرة لكن في أغلبها مجرد خيال.
 فأفلام الأبعاد الثلاثة تعتبر صناعة حداثوية في الفن السابع. لكن في ديسمبر 2009، ذكر "جيمس كاميرون" ان الأمر بيده حتمي ولا رجوع إلى الوراء (لقد انتهى الآن عصر السينما المسطحة مثلما انتهى عصر السينما الصامتة منذ عشرينات القرن الماضي)، أما "ستيفن سبيلبرك"، فقد تأثر بخبرة وعمل كاميرون وذكر انطباعاته قائلا: لقد قضيت عمرا وأنا أصمم كل لقطاتي مغمضا إحدى عيني، لكن من الآن وصاعدا، فسأبقي هاتين العينين مفتوحتين دائما.
أما بالنسبة للألوان والفنون الخاصة في صناعة الأفلام المجسمة، فنلاحظ أن معظم الأفلام فيها ألوان الحياة بكل معانيها كما فيها خاصية الخيال العلمي، وهنا نجد تكوين اللقطة واستحداثها يؤثران مباشرة في المشاهدين، ولذلك نكون على تماس مع الآليات العصبية اللاواعية فنرى المزج الفوضوي والمتقلب، وقد ذكر لنا "ليوناردو دافنشي" أن فقدان إحدى العينين يؤدي الى تراجع الإحساس بالعمق. حيث لاحظنا أشهر الأفلام العالمية كفيلم (صوت الموسيقى)، الذي لعبت بطولته الممثلة الكبيرة "جولي كرستي"، أن انعكاس الالوان جميعاً ينتج عمقا حيويا في اللقطة، على المستوى الجمالي. وفي فيلم (ذهب مع الريح) للروائية "مرغريت ميتشيل"، حيث نرى مشاهد الحرب ومشاكل العوائل وقصص الحب تظهر بالصّور الملونة الرائعة بشكل جمالي أخاذ ولها قيمة معينة، ولكن كلا الفيلمين ليسا منفذين بطريقة الأبعاد الثلاثة.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

في فيلمها الروائي "ربيعة".. المخرجة ماريكا إنجلهارت تقتفي خطى الشابات الواقعات في براثن داعش

(أناشيد آدم) لعدي رشيد يمثل العراق في مهرجان البحر الأحمر

الكشف عن أعضاء لجنة تحكيم مختلف أقسام مهرجان "دهوك" السينمائي الدولي 11

مقالات ذات صلة

(أناشيد آدم) لعدي رشيد يمثل العراق في مهرجان البحر الأحمر
سينما

(أناشيد آدم) لعدي رشيد يمثل العراق في مهرجان البحر الأحمر

متابعة: المدىيشارك فيلم (أناشيد آدم) للمخرج العراقي عدي رشيد في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي بنسخته الرابعة والذي بدأت فعالياتها وتستمر حتى الرابع عشر من هذا الشهر.وكاية الفيلم تتعلق بآدم، في الثانية عشرة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram