TOP

جريدة المدى > اقتصاد > وجهة نظر اقتصادية..أزمتنا الاقتصادية.. كيف نواجهها؟

وجهة نظر اقتصادية..أزمتنا الاقتصادية.. كيف نواجهها؟

نشر في: 28 نوفمبر, 2012: 08:00 م

(2-2)

يصنف العراق من الدول الغنية بسبب ما يملكه من ثروات طبيعة ضخمة  كالنفط والغاز والكبريت والفوسفات والموارد البشرية المؤهلة علميا ومهنيا ،  وبسبب ما يتمتع  به من بيئة خصبة وملائمة لإقامة زراعة عمودية وأفقية متطورة وواعدة بتحقيق الاكتفاء الذاتي وبتحقيق فائض اقتصادي للتصدير الخارجي.  فاحتياطيات النفط العراقي  حتى عام 2010 تقدر بنحو  112 مليار برميل ، وهو ما يعادل 11%  من الاحتياطي النفطي العالمي. وتشير عمليات التنقيب الحديثة الى ارتفاع  احتياطي العراق من النفط الخام الى  نحو 360 مليار برميل مما يرجح العراق الى الدولة الأولى  باحتياطي النفط العالمي. ووفقا لما يؤكده  الخبراء فان العراق  بإمكانه الاستمرار بطاقته  الإنتاجية الحالية (3،200 مليون برميل في اليوم )  لثلاثة قرون ونصف.
 أما عدد الحقول النفطية فتقدر بأكثر من 73 حقلاً بترولياً وعدد الآبار المنتجة بين 1500 ـ 1700 بئر. ومن المتوقع أن يزداد عدد هذه الآبار  إلى 100 ألف بئر بعد استكمال عمليات التنقيب الجارية.
وبالنسبة إلى احتياطي العراق من الغاز الطبيعي فتقدره وزارة النفط العراقية بنحو 9250 مليار متر مكعب أي بنسبة 6% من احتياطي الغاز العالمي. وينتج العراق قبل  دخوله الحرب مع إيران حوالي 3،600 مليون برميل من النفط الخام في اليوم، يصدر منها  نحو 3،200 مليون برميل والباقي لمتطلبات الاستهلاك المحلي.
وتتوفر في العراق أنواع مختلفة من المعادن و خامات الحديد و النحاس و المنغنيز و الرصاص و الزنك و الملح و الجبس الخام. وكميات كبيرة من الكبريت والفوسفات. والعراق  البلد المصدر الأول  للكبريت في العالم. وفيه احتياطي ضخم من  الفوسفات يقدر بين 8 - 12 مليار طن .  وبالإضافة الى ذلك  توجد في العراق صناعات خفيفة ومتوسطة قادرة على سد الطلب المحلي إذا جرت إعادة تأهيلها كمصنع الحديد والصلب والصناعات الغذائية ومواد البناء والنسيج ومصنع تجميع السيارات والجرارات وصناعة البتروكيمياويات والأسمدة ومحطات تكرير النفط وبعض مصانع الأدوية. ويمتلك العراق ثروة حيوانية  كبيرة . كما يمتلك مزارع للدواجن و بحيرات اصطناعية لتكاثر الأسماك تساهم في سد جزء كبير من الاستهلاك المحلي. وحتى عام  1978، يحتل العراق المرتبة الأولى بإنتاج التمور ويقدر إنتاجه السنوي بأكثر من 80% من الإنتاج العالمي للتمور.
إن العراق يتمتع بقطاعات اقتصاد حيوية وقابلة للاستثمار والإنتاج بكفاءة عالية كقطاع الزراعة والصناعة وقطاع الثروة الحيوانية والصناعة الاستخراجية والصناعة التحويلية وقطاع الخدمات و قطاع السياحة الدينية والآثارية. وتقدر الأرضي الزراعية في العراق  بنحو 17،5 مليون هكتار. ويكفي زراعة 40% فقط  من الأراضي الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتقدر مساحة الأرض الصالحة لرعي الحيوانات بنسبة 10%  من المساحة الكلية. إلا أن الطبيعة الريعية للاقتصاد العراقي جعلت  نمو وتطور القطاعات الاقتصادية يعتمدان  كليا على زيادة انتاج القطاع النفطي وتحقيقه واردات مالية أكثر. إن تعبئة وإدارة الموارد البشرية و المالية بالشكل لعلمي تلعبان دورا كبيرا في تحقيق النمو الاقتصادي . فالموارد البشرية المؤهلة  علميا و تكنولوجيا من أهم مقومات الاقتصاد والعامل الحاسم في تطور المجتمعات، فرأس المال البشري المعبر عنه بمجموعة المعارف والمهارات والقدرات  التي يمتلكها الإنسان هو حجر الأساس في تطور اقتصاديات البلدان المتقدمة.  
إن السياسات الحمقاء  للنظام المباد وسياسات نظام المحاصصة الطائفية التي وقع فيها العراق بعد تغيير النظام أدت الى هجرة الكفاءات العلمية بحثا عن الأمان والاستقرار في الخارج . وتقدر المصادر الدولية عدد الكفاءات العراقية المهاجرة الى الخارج  بأكثر من 100 ألف كفاءة علمية  من العلماء والأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين وغيرهم من الخبرات الكبيرة. ويمكن للعراق الاستفادة من هذه الكفاءات  بتهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية  لتشجيعها على  العودة إلى العراق والاستفادة من طاقاتها المبدعة في إعادة البناء والأعمار وخطط التنمية .
 ونستنتج من ذلك:
  1- إن السياسات الاقتصادية التي طبقت في العراق منذ عام 1951 وحتى الوقت الحاضر عجزت عن إحداث  تغيير جوهري في البنية الاقتصادية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقرار الاقتصادي.
2- إن التنمية الاقتصادية ركزت على إقامة مشروعات الصناعة الاستهلاكية والكمالية ولم تخطط لإقامة صناعات ثقيلة تخدم التطور الاقتصادي المستقبلي .
3- لم تعر الدولة العراقية اهتماما كافيا لتطوير القطاع الزراعي الذي يعتبر الأساس المتين لتطور القطاع الصناعي ومصدرا أساسيا لضمان الأمن الغذائي.
4- غياب الرؤية الاقتصادية للدولة العراقية خصوصا بعد تغيير النظام في 2003، وحتى الوقت الحاضر وتزايد اعتمادها على الاستيراد الخارجي.
5- الانفتاح غير المنضبط على الأسواق الخارجية الحق ضررا كبيرا في الاقتصاد العراقي وعزز تبعيته للاسواق الخارجية  .
ويتضح من ذلك أن الاقتصاد العراقي بأمس الحاجة الى الإصلاح الاقتصادي والمالي والمصرفي والإداري ورفد إداراته بالكفاءات العلمية  كما يحتاج إلى خطط طوارئ سريعة لإعادة تأهيل وتطوير قطاعاته الاقتصادية المدمرة لاستئناف مسيرته التنموية المتوقفة منذ عام 1980.  
 
الرؤية المستقبلية
إن الرؤية المستقبلية  للاقتصاد العراقي ترتبط بمدى الإصلاحات التي تنفذها الدولة لإصلاح الهيكل الاقتصادي ومدى استجابتها لمتطلبات التطور الاقتصادي الذي يتطلب خلق اقتصاد إنتاجي وتصديري متنوع  المصادر وفقا لإستراتيجية وطنية للتنمية وعدم الاعتماد الكلي على القطاع النفطي في التمويل المالي لقطاعات الاقتصاد والموازنة العامة.  
إن الاستقرار السياسي والأمني والإدارة الشفافة وتوفر الخدمات  المصرفية تشكل بيئة خصبة وجاذبة  للمستثمرين ولرؤوس الأموال المحلية والأجنبية الباحثة عن الربح والكسب المالي. فالسياسة المالية للدولة العراقية يفترض أن تخطط  لتطور القطاع الاقتصادي وتنمية القطاعات الأخرى التي يجب أن تساهم بنسبة كبيرة في الإنفاق الحكومي. فالاعتماد الكلي على القطاع النفطي سيضع العراق واقتصاده في نار الأزمات التي تضرب العالم الرأسمالي.
إن الرؤية التي لا تبعث على التفاؤل تنطلق من الاعتبارات الآتية:
 1_ من تحليلنا الموضوعي للوضع الاقتصادي الدولي الذي تعصف به أزمة اقتصادية ومالية مستعرة  فان البلدان الرأسمالية الغنية التي أنهكتها الأزمات الاقتصادية تعاني من الإفلاس المالي والتدهور الاقتصادي  ومهددة  بانهيارات اقتصادية ومالية كبيرة.
فقد اندلعت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بأقوى اقتصاد في العالم وانتقلت الى البلدان الرأسمالية في منطقة اليورو التي تمثل الدول الأغنى في المنظومة الرأسمالية.
 وأصابت الأزمة الدول التابعة اقتصاديا ومالياً للبلدان  الرأسمالية الاحتكارية. وبالنسبة للعراق الذي يعتمد في صادرته النفطية وفي مستورداته على الدول الرأسمالية الغربية سوف يتأثر بتبعات هذه الأزمة بصورة مباشرة.
2_ إن العراق الذي يعتمد دخله الإجمالي على أكثر من 98% على القطاعي النفطي سوف يتعرض إلى كارثة اقتصادية إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز. فالصادرات العراقية من النفط الخام التي تمر الى العالم الخارجي عبر مضيق هرمز تقدر بنحو 2200 مليون برميل من مجموع الإنتاج النفطي المقدر بنحو 3،200 مليون برميل في اليوم في  عام 2012.
3_ إن الوضع الاقتصادي في العراق سوف يزداد سوءا إذا استغلت  تركيا الوضع المتوتر في المنطقة للضغط على كميات المياه المتدفقة من أراضيها إلى العراق والتي تعاني أصلا من نقص حاد. وقد كانت من بين احد الأسباب التي أدت إلى فشل وتعطيل العديد من المشاريع الزراعية بالعراق.
4_ بالرغم من الزيادات الكبيرة التي تحققت في أسعار صادرات النفط فان الحكومة العراقية ما زالت تعاني من عجز الموازنة العامة ومن ثقل الديون الخارجية، وان غلق مضيق هرمز سوف يؤدي الى  توقف الصادرات النفطية واندلاع أزمة مالية تجبر الحكومة العراقية على الاقتراض الخارجي والوقوع في أزمة جديدة تزيد من عمق الأزمات التي تعصف بالبلد.
5_ بالرغم من التهديدات المتكررة التي تطلقها إيران بغلق مضيق هرمز فان الحكومة العراقية لم تضع خططا للطوارئ للوقاية من  التداعيات  المتوقعة من إغلاق المضيق.
ومنذ  الإطاحة  بالدكتاتورية الدموية وحتى عام  2012 وبالرغم من إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على إصلاح القطاع النفطي فان الطاقة الإنتاجية ما زالت  دون  مستويات الإنتاج السابقة والمقدرة بأكثر  من 3،500 مليون برميل في اليوم. وتحولت وزارة النفط والطاقة  العراقية إلى سوق للمزادات والمناقصات النفطية.
و عليه فان الحكومة العراقية مطالبة باتخاذ إجراءات سريعة وخطوات فعالة لوضع بدائل مأمونة لضمان تدفق الصادرات النفطية إلى الخارج والتخلص من الضغوط التي يتعرض لها العراق بسبب التوترات العسكرية في مناطق عبور النفط  لتكون بمأمن من الأزمة الاقتصادية والمالية المتوقعة.
نقلة نوعية في الاقتصاد
من اجل تحقيق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني  وإخراجه من أزمته التي يدور في فلكها والخروج من نفق المديونية الخارجية فان ذلك يتطلب من الحكومة العراقية القيام بخطوات سريعة في المدى المنظور لمعالجة الازمة التي يعيشها الاقتصاد ومنها :  رفض الدعوة والترويج  الى اعتبار الخصخصة وصفة  جاهزة لحل مشكلات الاقتصاد العراقي ورفض خصخصة مؤسسات الدولة ذات الجدوى الاقتصادية وخصوصا قطاع الكهرباء والقطاع النفطي. واعتماد خطط تنموية متوسطة وقصيرة المدى من اجل  تنويع وتحديث قاعدة الاقتصاد الوطني وتنمية القدرات البشرية واستخدام الموارد المالية بكفاءة عالية لتحقيق مستوى معيشي أفضل لجميع المواطنين. والاهتمام  بقطاع الدولة باعتباره قاعدة رئيسية للاقتصاد الوطني والعمل على إصلاحه اقتصاديا وإداريا وتزويده بالتقنيات الحديثة ليكون قادرا على تأدية مهامه بالشكل الأفضل. ووضع إستراتيجية متكاملة لإصلاح قطاع الكهرباء ، فالكهرباء  في كل دول العالم عامل أساسي في  تشغيل مؤسسات الإنتاج والخدمات ، وتؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين اليومية. و العمل على تامين تنمية متوازنة بين القطاع الصناعي وبين مختلف القطاعات الاخرى وخصوصا القطاع الزراعي.  وايلاء اهتمام خاص لصغار المنتجين ومساعدتهم على النهوض بمشروعاتهم الاقتصادية في سبيل زيادة الإنتاج وتلبية جزء من حاجات الاسواق المحلية. و تشجيع الفلاحين على الاهتمام بأراضيهم وزيادة إنتاجيتها كما ونوعا واستعمال المكننة المتطورة والبذور عالية الجودة والأسمدة الكيمياوية والمبيدات وغيرها باستخدام الأساليب الحديثة في الزراعة والري. والاهتمام بقطاع الثروة الحيوانية والسمكية وإعادة تشغيل المشاريع المعطلة في مجال الإنتاج الحيواني والنباتي والثروة السمكية. وإنشاء وتطوير البنى التحتية والمرافق السياحية والارتقاء بمستوى خدماتها وتشجيع السياحة الاثارية. وتطوير السياحة الدينية وإدارة مرافقها من قبل الدولة لما لها من أهمية في توفير فرص عمل كبيرة  تساعد في القضاء على ظاهرة البطالة. وتشجيع ودعم القطاع الخاص للاستثمار في مجلات الزراعة و الصناعات الثقيلة و الالكترونية التي تحتاج الى رؤوس اموال كبيرة. وربط التعليم بكافة انواعه بحاجات البلاد وافاق تطورها والاهتمام بالتعليم التقني والمهني الذي يساهم في إدارة وتطوير الاقتصاد الوطني.
 إن معالجة أزمة الاقتصاد العراقي تكمن في تحسين استخدام موارده المالية والطبيعية واستثمارها استثمارا اقتصاديا امثل لتكون مصدرا للتقدم والرفاه الاقتصادي والاجتماعي .
والدولة العراقية مطالبة  بانتهاج سياسات اقتصادية  ديناميكية  تحفز التطور الاقتصادي وتطلق طاقاته الإنتاجية وتنوع مصادره .
 فأزمة الاقتصاد العراقي لا تعالج بخصخصة مؤسسات القطاع العام.  فالخصخصة أدت في عهد  النظام المباد إلى ترحيل أملاك الدولة إلى  اللصوص والطفيليين والى تجار الحروب والأزمات من أعوان النظام وغيرهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي
اقتصاد

العراق يقلص صادراته النفطية واستهلاكه المحلي

بغداد/ المدى أعلنت وزارة النفط، اليوم الجمعة، تخفيض وتقليص صادرات العراق من النفط الخام وتقليل استهلاكه المحلي. وذكرت الوزارة في بيان، تلقته (المدى)،: "تماشياً مع التزام جمهورية العراق بقرارات منظمة أوبك والدول المتحالفة ضمن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram