عبدالله السكوتي يحكى ان احدهم اقتيد الى قصر الملك اسيرا، بعد ان قام بحركة مسلحة فشلت وانفض اصحابه عنه، وكان الرجل حافيا متسخا اشعث الشعر يرتدي الثياب المهلهلة ، فامر الملك بضرب عنقه، فقال الرجل للسياف اضرب فو الله لاادري مافرق الموت عن هذه الحياة، سمعه الملك فأمر السياف بالتوقف، وامر حاشيته ان يضموا الرجل اليهم ليرى نعومة العيش،
بعد ان رأى خشونته، وبعد مرور سنة امر ان يؤتى به ، فجيء به اليه، وامر ثانية بضرب عنقه ، فتعلق الرجل بجلابيب الملك يقبل قدميه ، ويستغفره بالعفو عنه ويبكي ويصرخ، عندها نظر الملك الى حاشيته وقال : هذا هوالفرق بين الموت و الحياة. لطالما قرأنا تنظيرات مختلفة عن الموت والحياة بوجهات نظر مختلفة وايديولوجيات مختلفة ايضا ، ومن المؤكد ان اغلب هذه الايديولوجات تعقد مقارنة ربما تكون غير منصفة بين الاثنين ، لترى في الموت النهاية القاسية والرهيبة التي تتخللها العقوبات والوحدة والوحشة ، ومن ثم البعث الذي تشخص فيه الابصار والاغلال التي يربط بها العاصون والمتكبرون ، لتنتقل مباشرة الى ان الحياة الاخرى عكس الحياة الاولى فهي لا تجمع عذابين او نعيمين، بمعنى آخر ان المنعم في الحياة معذب بعد الموت ، والمعذب في الحياة ، منعم ما بعد الموت، ولذا يمتلك الكثير منا نوازع نحو الانتقال الى تلك الحياة التي تنتظره ، ولا يعير اهتماما لحياته الانية، ويعتزل الناس او يتصوف، ويحتل قول الشاعر مكانا ساميا في العمل للاخرة وترك الدنيا بمظهرها الجمالي والفني حيث يقول: ياباني الدار لا تعلو بقامتها ان الديار ستبقى بعد بانيها هذا الاختيار مباح للجميع حين يتعلق الامر بالشخص ذاته ، اما حين يتعلق الامر بحياة شعب بكامله ومستقبل الاجيال المقبلة ، فهو مختلف بالتأكيد لان الشعب خالد، وهو بعد ينتظر ما يعطي الجيل السابق للاحق بحسب القول المأثور:زرعوا فاكلنا ونزرع فيأكلون، وليس اكثر حكمة من حكمة الرسول محمد (ص ) حين اتاه رجل فقال:انا اصوم النهار واقوم الليل، فسأله الرسول عمن يعيله فقال هذا اخي ، فرد عليه الرسول : هو خير منك. بعض الاحيان يخيل للمتأمل انعدام الفروق بين الحياة والموت، واحيان اخرى يؤثر من لاقى شظف العيش الموت على الحياة، وهذا جميعه بسبب النظرة الدونية للحياة باعتبارها مرحلة مؤقتة تفضي الى مرحلة اخرى دائمة، ومع حقيقة ما اسلفنا او عدمها تبقى جدلية الموت والحياة تشغل الكثيرين، لكنها تشغل العراقيين بالدرجة الاولى للاهمال الذي اصاب الحياة، وجعل الفرق بينها وبين الموت شيئا ثانويا لايستحق عناء التفكير. بينما نبقى اسرى القول المأثور والذي اراد الاهتمام بالحياة : خير الناس من نفع الناس ، ونظرة بسيطة لمايجري نرى فيها مصلحة المجموع مضروبة مقارنة مع المصالح الشخصية التي يتمتع بها المتنفذون ،والصدق ان بعضهم يتعجب حين نتكلم عن معاناة الكهرباء فهو لا يدري ان هناك قطعا مبرمجا ، وهذا وامثاله يريد الفوز بالاثنين.
هواء فـي شبك :الموت والحياة
نشر في: 19 سبتمبر, 2010: 10:21 م