TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > تمثلات النهضة .. ثقافة النهضة والمثقفون والدولة

تمثلات النهضة .. ثقافة النهضة والمثقفون والدولة

نشر في: 20 سبتمبر, 2010: 05:05 م

سعد محمد رحيم( الجزء الثاني )اتخذت موضوعة النهضة والثقافة والتحديث إطاراً سياسياً تزامن وتمثّل "مع فكرة الاستقلال وتشكّل الدولة الحديثة" ص32. هذا الشرط (السياسي) كان الأكثر إلحاحاً وضرورة في منظور النهضويين العراقيين الذين أدركوا أن النهضة والحداثة والتقدم والثقافة بحاجة إلى أرضية سياسية؛ أي إلى كيان دولة يكون بمثابة الناظم والضامن لتحقيق النهضة والحداثة وارتقاء الثقافة وتعزيز الهوية (الوطنية) الجامعة للهويات الفرعية لشرائح المجتمع العراقي.
كان على الدولة أن "تسعى إلى خلق ناظم يقوم عليه الإجماع الوجداني العاطفي، ويتمثل بإشارات ورموز ثقافية يتوحد عبرها الناس ويتوطد شعورهم بالتلاحم" ص26. فيما لم يغب عن أذهان المثقفين "ضرورة تحديد وظائفهم، وتعيين مواقعهم كنقّاد ومقوّمين أخطاء الدولة وإرث المجتمع الذي يفتقد العلم ويعيش في ظلام الخرافة" ص27. والسؤال المنطقي الذي يواجهنا بهذا الصدد هو؛ هل كانت الدولة العراقية الناشئة في وعي روادها وقادتها تمتلك فلسفة نهضة واضحة، واقعية، ومتماسكة؟ وهذا يقودنا إلى السؤال التالي؛ كيف تحددت العلاقة بين الدولة بعدِّها جهازاً مؤسساتياً وبين "محترفي القول الثقافي، في زمن التحوّل" كما تسميهم الباحثة، وهم دعاة النهضة والحداثة. والأخذ بأسباب العلم والرضوخ لسلطة العقل، والتأكيد على المستقبل؟ دشنت النهضة التاريخ الاجتماعي والسياسي للعراق الحديث، وكانت لحظة فارقة ستتغير بعدها مجمل الخرائط والترسيمات السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وستمهد لقيام مؤسسة الدولة العراقية الحديثة ( 1921 ). لكن المفارقة أن فلسفة النهضة هذه لم تصبح، على درجة مقبولة وفاعلة، هي عينها فلسفة الدولة العراقية، لأسباب بعضها يتعلق بالقصور الذاتي لفلسفة النهضة، وفشل النخب المفكرة في جعلها إطاراً فكرياً متماسكاً. وبعضها يتعلق بطبيعة الدولة نفسها؛ إشكالية نشوئها وتعرّج وتعقّد مساراتها، وإخفاقات النخب السياسية التي أدارتها وصراعاتها، والتحديات الداخلية والخارجية التي واجهتها، والتي لم تكن للدولة الفتية الطاقة والمقدرة الكافيتين للتعامل معها. كان ما يفكر به المثقف والمفكر المنزّه عن المصالح الضيقة غير ما يفكر به السياسي المحكوم بانتمائه ومصالحه. وكان المثال غير الواقع.تُرجع الباحثة منجز قيام الدولة العراقية وتحديد مستقبل الاستقلال إلى صراع الثقافتين الغربية والمحلية مثلما تجسّد في ثورة العشرين التي "أرغمت البريطانيين على التفكير بالكيفية التي يتعاملون بها مع الثقافة والقيم المحلية، وكان من ثمارها تأسيس المملكة العراقية بقيادة ملك هاشمي" ص22. وتؤكد أن الدولة في العراق الحديث قامت بدور الوسيط "أي الحامل الإيديولوجي لفكرة النهضة كعقيدة ونافست المثقفين في بث هذه الفكرة عبر البرامج التعليمية، والمؤسسات الحديثة، لكن قوتها الأكبر برزت في كونها المساهم الفاعل في صناعة رموز التحديث، ولهذا بقيت الدولة المتمثلة بنوع السلطة وقادتها، من بين أهم المؤثرات في تقدم العراق" ص29.استمرت العلاقة بين المثقفين والدولة ملتبسة وسلبية في معظم الأحيان، على الرغم من أن كثراً من المثقفين أصبحوا موظفين في سلك الدولة. ولم يكن السبب اختلاف مضامين فكرة النهضة عند هؤلاء وأولئك بل بسبب طبيعة الدولة نفسها التي تأسست برعاية بريطانية (كولونيالية) فعدّها المثقفون أو جلّهم قاصرة، وتعامل معها بعضهم بعدائية كون القائمين عليها عملاء للاستعمار.شاب تلك العلاقة لمدة طويلة انعدام الثقة وسوء الظن والمعاداة المتبادلة. وظل المثقفون الذين تشربوا بأفكار اليسار (الماركسي) الوافدة لتوِّها، ومن ثم أفكار التحرر الوطني والقومي يناوئون الدولة القائمة برجالها ومؤسساتها. وأعتقد أنهم، في نهاية المطاف، شكلوا عقبة أمام تطورها. وهذا لا يعني بأية حال أن الدولة القائمة نفسها كانت بريئة تماماً وكاملة الأوصاف، هي التي ولدت في ظروف اجتماعية وسياسية صعبة وعلى ركام من إرث تاريخي ثقيل؛ ( تناحرات اجتماعية، فقر مدقع، وتخلف تعليمي وثقافي، الخ ) فيما الاقتصاد كان ريعياً والموارد محدودة, وكانت الطبقة الوسطى التي من المفترض أن تساند الدولة ( لتوافق المصلحة ) بالغة الهشاشة، ولا تشكل سوى نسبة ضئيلة وسط مجتمع فلاحي طاغ. فضلاً عن أن الدولة الجديدة كانت ضعيفة مؤسساتياً في مقابل مؤسسات أهلية راسخة ( طائفية وعشيرية) وتحت تأثير وتحكم قوة كولونيالية بريطانية لها ستراتيجيتها المختلفة وأطماعها. وإذن لم تؤازر الأنتلجنسيا العراقية دولتها الناشئة بقدر ما عادتها، وثقفت ضدها بعد أن طغت المسحة الطوباوية على وعيها وافتقرت إلى الحس والوعي التاريخيين السليمين. فوظيفتها تعدّت الموقف النقدي الموضوعي إلى سلوك سياسي جامح ودعوات للعنف (الثوري وغير الثوري) سيفضي بالتالي إلى التغيير الكبير في 14 تموز 1958 والذي شكّل انعطافاً في تاريخ العراق ولم يأت بحلول ناجعة للمشكلات التي كانت قائمة والأخرى التي دشنتها هي. مفتتحاً ( على الرغم من أن سنواتها القليلة الأولى أثمرت عن منجزات وتحولات ملموسة ) عهداً من الصراعات والانقلابات الدموية التي انتهت إلى الديكتاتورية ومن ثم إعادة احتلال العراق. تستثمر فاطمة المحسن تعريف جيرار ليكرك للمثقف، أكثر من تعريفات غيره له، في اختيار نماذج المثقفين العراقيين الذين أثـّروا في ثقافة المج

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram