علي حسينيخبرنا علماء الاجتماع ان الظواهر الفردية لا تنشا من تلقاء نفسها، وان كل فعل شاذ هو نتاج مرحلة اجتماعية،الطغاة الذين ظهروا على سطح الكرة الارضية هم حصيلة المناخ الذي احاط بهم، يقول عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر في كتابه " السياسة كمهنة "من ان في داخل كل منا شرير خفي وان الذي يمنع هذا الخفي من الظهور الى العلن هو القانون وقبله الضمير والحرص على الناس.
مناسبة هذا الكلام، انني انتهيت من قراءة كتاب تجربتي في الحكم لسياسي عراقي معروف، انتقل بقفزة واحدة من صفوف المعارضة ليصبح الرجل الاول في العراق وقيض له بسبب ذلك ان يسطر هذه المذكرات التي يطلق على نفسه فيها لقب " النجاشي " تشبها بملك الحبشة وهو " ملك لايظلم عنده احد " في الوقت الذي اجتاحت العراق اخطر موجة عنف طائفي. تمنيت ان يقرا جميع الساسة العراقيين مذكرات اثنين ممن صنعا تاريخ بلادهم، ونستون تشرشل وشارل ديغول فسوف يتبين لهم بوضوح معنى التاريخ، فقد كان لدى الرجلين الفهم الحقيقي لمعنى التاريخ والشعور الوطني المتعالي، والهم نفسه لإنجاز عمل تاريخي وطريقة الولوج إلى تاريخ البلاد. ديغول فرنسا يكتب من مكتبه متأملاً الآفاق الواسعة والمنهكة الحزينة لمنطقته اللورين، فيما تشرشل الضخم يعيد كتابة التاريخ من وسط سريره المحاط بالوسائد وطيوره المفضلة من فصيلة الببغاء وقطته وكلبه الوفي، ليسطر هذه الكلمات: "المتعصب هو شخص لايريد أن يغير رأيه ولايريد أن يغير الموضوع، أما الوفاقي فهو شخص يغذي تمساحاً آملاً أن يكون آخر من يأكله،".‏ وللرجلين منذ ولادتهما موهبة التأليف ولم يشك أي منهما بالمصير الذي آل إليه، لقد تميز تشرشل بأسلوب ماهر في العبور من سجل إلى آخر، و في لحظة من التواضع أسّر إلى أحد الشبان بالقول:" نحن جميعاً ديدان " ليلتفت إلى إحدى السيدات التي اغتاظت وقلقت مما سمعت ليقول لها:" لكن أعتقد بأني دودة براقة".عندما أتذكر ذلك اقول كم كان لي من الحظ، حين قدر لي ان اقرأ كل هذه السير،، وان الكتب جمعتني بعدد من صناع التاريخ الحديث. في سيرته الذاتية " الرحلة " يكشف لنا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الجانب الفكاهي والعاطفي في مسالة توليه رئاسة حزب العمال والوزراء معا فيروي حادثة في منزل صديق. ويقول إنه كان يتحدث مع غوردن براون لمن منهما يجب أن تؤول الزعامة بعد وفاة جون سميث رئيس حزب العمال، فقرر الصديق تركهما منفردين بخروجه من داره.يقول بلير: "بعد نحو ساعة توجه غوردون الى التواليت، فأمضى خمس دقائق، ثم عشرا ثم خمس عشرة... فانتابني القلق. وفجأة رن جرس الهاتف، لكنني كنت ضيفا في المنزل فلم ارفع السماعة.وبعد حين انطلقت ماكينة الرد التلقائي تطلب الى المتصل ترك رسالته. وإذا بي أسمع صوت غوردون وهو يقول: توني، أنا غوردون. أنا محبوس داخل التواليت ولا استطيع الخروج لأن الباب يخلو من مزلاج يفتحه من الداخل.ويضيف بلير بروح من المداعبة: "يبدو أن غوردون استغرق ربع الساعة وهو يحاول العثور على رقم هاتف نِك (الصديق المشترك) للاتصال به. وبعد استغاثته هذه توجهت الى التواليت بالطابق العلوي وقلت له: تنازل لي عن الزعامة والا تركتك سجينا في تواليتك هذا.اتمنى على ساستنا قراءة هذا الفصل من مذكرات "بلير" حصرا علهم يجدون حلاً لأزمة الزعامة، وإلا سيحكمنا "نجاشي جديد".
العمود الثامن: نحن جميعا ديدان!!
نشر في: 21 سبتمبر, 2010: 05:22 م