عبدالله السكوتييحكى أن أبا احمد كان رجلا مسنا تتناوبه الأمراض لأقل سبب ، ومرض ذات يوم مرضا شديدا ، وشعر بدنو اجله، فقال بحرقة:عسى الله أن يشفيني من مرضي، فأعود معافى ، وأعاود عملي ، فأجابته زوجته الشابة : ستشفى بعون الله ، وتعود صحتك وقوتك إليك وترجع كأنك صبي ، فتنهد أبو احمد وأجاب ساخرا : (أبو احمد ميرد صبي)، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
وما ماضي الشباب بمسترد ولا يوم يمرّ بمستعاد وهذا القول يقال للحسرة والتوجع، لعدم عودة الزمن إلى الخلف ، ومنهم من يتعجب من قول الآخرين بأنه صبي معافى، ويحكى هذا القول على طريقة الأمثال، حيث يقال أن امرأة طلبت من زوجها المسن القيام بعمل من أعمال الشباب، فقال لها على سبيل السخرية والتعجب:(هاي شنو رد أبو حميد صبي). الجميع متأكد أن الوقت يسير إلى الأمام ولا يمكن للفرصة التي تضيع أن تعود ثانية، فقطار الوقت يسحق الأشياء ويغادر محطاته مسرعا، ولا ينتظر أحدا مهما كانت الأسباب. سبع سنوات ونصف على عمر التغيير، ونحن نعد الأيام والدقائق ونود أن يسير الزمن بأقصى ما يستطيع، لنحظى بفرصة للعيش كريمة، ونودع مظاهر التخلف التي باتت ملازمة لنا وفي ابسط الأمور، المدن المكتظة تفور بسكانها، ازدحمت حتى عادت مصدر قلق للكثيرين بلا حلول مرجوّة؛ فرحت جدا حين رأيت المجمعات السكنية تغزو الكوفة في محافظة النجف، وفرحت كذلك حين رأيتها في الحلة، وأكثر فرحي لكردستان التي صارت بأجمعها منطقة سياحية غنية بفضل العمران الذي ارتفع بها، وفرص العمل التي توفرها، لكني حزين على بغداد، تقتلني الحسرة لمدينة العز والعلم والقصور وألف ليلة وليلة، المدينة التي وصفت بأنها جنة الله على أرضه، تعاني الإهمال وهي العاصمة، لكنني ومع مرور الزمن سريعا، مازلت على وجلي وخوفي من الآتي حينا، وحينا أقول:الخير في الآتي، ومع هذا ولا ادري لأي سبب وردت الخواطر لتأخذني نحو مرافئ بحر الشعر الجواهري الكبير حيث يقول: يا أم عوف وما يدريك ما خبأت لنا المقادير من عقبى ويدرينا أنى وكيف سيرخي من أعنتنا تطوافنا ... ومتى تلقى مراسينا يا أم عوف حرقنا كلّ جارحة فينا لنسرج هاتيك الدواوينا ونحن مع تراجعنا وعودة الصرائف مازلنا نحلم أن تعود بغداد ترفض البناء العشوائي الذي أتى على كل لمحة جمال فيها، ليعود القانون يأخذ مداه، وتعود الحدائق في البيوت فقد ألغيت تماما ، وأصبحت خرائط البناء الجديدة تستثني الحديقة، وتذكرت حين تدخل صدام في بناء البيوت نهاية السبعينيات ، فكان يأمر من خلال إجازة البناء ببناء ملجأ ويعطي عليه عقاري أيضا، وكأنه كان يخطط أن السنين الآتية هي سنين حرب، وأتذكر أيضا كيف أن هذه الملاجئ، وكانت تبنى في بداية البيوت الكبيرة، صارت أمكنة للمواعيد الغرامية، ومع أن الصبي لا يعود والأزمنة تغادر سريعا ، لكن من الممكن أن تعود بغداد إلى صباها، بجمالها وأبنائها.
هواء فـي شبك: (أبو أحمد ميرد صبي)
نشر في: 22 سبتمبر, 2010: 08:30 م