ترجمة: نجاح الجبيليإن المعرض الرائع الذي نظمه متحف الفن الحديث بعنوان" ماتيس: اكتشاف طموح،1913-1917" ليس معرضاً عادياً عن ماتيس. فهو يحتوي على بضع علامات عن الفنان الذي قال أن الرسم يجب أن يكون مكافئاً لكرسي مريح.
يقدم المعرض رؤية لماتيس المعذب الخاضع لحاجته الشخصية وهو يوجه النقد لنفسه ويعيد التفكير والعمل في صوره وفي غالب الأحيان يتركها لتبدو طازجة ومشروطة وحتى غير منتهية. نرى فناناً مهتماً بصورة متزايدة في جعل عملية الرسم ليست واضحة فحسب بل أيضاً نوعاً من التركيز العاطفي الذي بالكاد يكون تعبيرياً إلا أنه يمثل الانعزال الشديد الذي ينسب إليه على نحو مألوف. ومع وجود أكثر من 100 لوحة ومنحوتة ومطبوعة ورسمة يقدم المعرض قراءة محكمة لأربع سنوات هي الأشد قسوة في صنعة ماتيس الطويلة.تلقي المجموعة الضوء على المزج المثير للأوساط من قبل ماتيس ورغبته في الأخذ من أحدها كي يحّرك الآخر. في لوحات عديدة مرسومة بجرأة ثمة خطوط سوداء تمزق مستويات اللون مثل وقاء يرفض أن يبقى في مكانه. إن النحوت البارزة الكبيرة الأربعة "للظهر" في حديقة المتحف هي متاحة للمشاهد و تبدو في هذا السياق أكثر شبهاً بماكتيتات للوحات أكثر من كونها نحوتاً من البرونز المصبوب وهي تؤكد السبب في أن ماتيس الرسام يسمى حفار اللون والفضاء. يمكن لماتيس أن يحفر بالفرشاة لكن أحياناً كان يستعملها مثل قلم رصاص. كانت لوحة بيكاسو الضارية "آنسات أفينيون" المرسومة عام 1907 بمثابة الشوكة في جنب ماتيس في أغلب السنوات التي ضمها هذا المعرض بينما كانت التكعيبية عاقبته الأكثر صفاءً.كان مسحوراً بالفن الأفريقي – الذي قدمه له بيكاسو- وأحيا تقريبا بصورة منفردة النحت الأوربي بنصوع جديد وتشويه للشكل، كونه الأول بين الوحشيين – أو الوحوش البرية- فجـّر مع جورج براك وأندريه ديران- الرسم مع تأكيد جديد على اللون الصارم : اللون من أجل اللون. في عام 1910 انسحب ماتيس من العالم الفني في باريس المليء بالضجة. أجر بيتاً في الضواحي وشيد ستوديو في حديقته واستعاد نشاطه بالسفر. رأى معرضاً ضخماً للفن الاسلامي في ميونح وإيقونات روسية في موسكو. وفي أسبانيا رأى العمارة الإسلامية وأعمال بيلاكثيث وإل غريكو وغويا. وبعد إقامته المؤقتة في المغرب عام 1912 وبداية عام 1913 أعاد تأكيد إيمانه بالمزاوجة بين النور واللون. لكنه رجع إلى باريس في كانون الثاني عام 1914. انتقل هو وزوجته إلى شقة في السان ميشيل تتكون من طابق واحد تحت الأستوديو الذي عمل به من 1894 إلى 1907 وكان يطل على نهر السين ونوتردام.وفي السنوات اللاحقة دفع ماتيس فنه إلى أقصى الحدود من القياس واللون المتفرد والقوة الشكلية وخشونة السطح والدفق العاطفي. إن لوحة "المستحمات" المعلقة بالقرب من مدخل المعرض تشير إلى فهم ماتيس المبكر لأهمية سيزان- وهو الإدراك الذي أصبح فقط منتشراً على نطاق واسع مع المعرض الاستعادي لسيزان عام 1906. و يشير أيضاً إلى واحدة من ثيمات أكبر للمعرض: علاقة ماتيس بالمعرض الفرنسي الكبير لرسم العراة في المناظر الطبيعية. يحتوي المعرض أيضاً على لوحة ماتيس المعقدة " عارية زرقاء" في عام 1907 واللوحة الغريبة الخالدة " مستحمات مع سلاحف" (1907-08) التي تهيمن عليها أنثى مسيطرة تلتهم يديها وهي على وشك أن تقذف الطعام إلى السلحفاة. إضافة إلى اللوحة الضخمة "مستحمات أمام نهر" التي تشبث بإكمالها ماتيس خلال أغلب الفترة التي غطاها المعرض إذ بدأها عام 1909-1910 ثم رجع إليها في عام 1913 قبل أن يكملها أخيراً عام 1917. لم يكن ماتيس مهتماً بالتهشيم أو القطع الصغيرة. إذ ركز على الكمال والبساطة والضخامة في مستويات منحنية بطرق توحي بشظايا التكعيبية و استند إلى سيزان بشكل مؤكد كما فعل التكعيبيون لكن بتوازن مؤثر مع الإعجاب الدائم بالألوان المحددة للوحات "جيوتو" من الفريسكو وهي من العلامات البارزة في بواكير عصر النهضة التي رآها في "بادوا" خلال رحلة إلى إيطاليا سنة 1907.
ماتيس فـي متحف الفن الحديث: الحفر باللون
نشر في: 24 سبتمبر, 2010: 04:35 م