علاء المفرجي وأنت تنتهي من قراءة "سيدات زحل" للكاتبة العراقية المبدعة لطفية الدليمي الصادرة حديثاً عن دار فضاءات للنشر، ينثال أمامك ما اختزنت الذاكرة من روائع انتظمت في ما عرف بـ(أدب الحرب)، الأدب الذي يجد المبدع نفسه فيه أمام فعل الجنون،
والفوضى المدمرة، والخراب، ليمارس بدوره كشفاً أشبه بالصدمة يجعلنا نقف في مواجهة حقيقة وجودنا الإنساني، وحجم خديعة اسمها الحياة.في خمسٍ وثلاثين كراسة تضمنها المتن الحكائي للرواية، كشف مؤسٍ لتداعيات حروب ثلاث، وسطوة سلطة مطلقة لرجل وعصابات وأفكار، وما تخللها من استلاب وامتهان ومصادرة للذات الإنسانية..تبدأ سيدات زحل وبعنوانها الثانوي سيرة ناس ومدينة، بالسؤال- الصدمة للراوية:"أأنا حياة البابلي" أم إنني أخرى.؟.. ومن تكون آسيا كنعان التي احمل جواز سفرها؟" مستهلة فصلها الأول الذي حمل عنوان "الأسماء"عبارة من موقف التذكرة للنفري.إشكال الهوية- الاسم هو جزء من إشكال وإلتباس يعيشه الوطن..تتشظى الشخصيات مثلما يتشظى الوطن وتختل القيم..حياة البابلي أو آسيا كنعان تبدأ رحلتها بالكشف المضني عن فوضى الأحداث ورعبها، الموت المتربص فينا عند كل زاوية، أو في عقول ملثمة.. يتمدد الزمن في الرواية بفعل المقاربة بين حاضر محتدم وماضٍ مازال ماثلاً بإسقاطاته من خلال"سرد حكايات النساء وكشف أوضاعهن من حب وإبداع وانتحار ورعب وهجرة واغتصاب وقتل" .الرواية عن التغيرات التي المت بالوطن منذ سقوط بغداد المذل على يد المغول عام1258 ، وليس إنتهاء بقطع الرؤوس على الهوية في أبشع كرنفال للسادية.. وهي أيضاً عن صعود طبقة من الرعاع من قاع المجتمع يحكمها الجهل والهوس الطائفي المهيمن على مقدرات مدينة مستفيدة من (اضمحلال الطبقة الوسطى المنتجة للثقافة وتلاشيها في أزمنة الحروب).حياة البابلي بؤرة لنساء يعشن فوضى الحدث وماساته، بهيجة، وآمال، وزينة، ولمى وأخريات حلقت ذكراهن في سماء الحدث كما جرتورد بيل البريطانية التي أسهمت في صنع الدولة العراقية الحديثة، وزبيدة التميمي التي عاشت قصه حبها في عهد داود باشا عام 1832 .. مثلما الرواية عن رجال كان لهم نصيب من فصول الكارثة إخصاءً ، وبتراً للسان وموتاً بشعاً..عمها (قيدار البابلي) المتواري منذ زمن الذي يرمز للطبقة الحاملة الإرث الثقافي والتي دمرتها الحروب وأجهزت على بقيتها الباقية ميليشيا الموت المجاني.. سرداب البيت حيث مخطوطات بغداد وذكريات من رحلوا هو رماد العنقاء التي ينهض منها الوطن طال الزمن أم قصر.. الملاذ الذي يحتضن خوف وقلق حياة البابلي، ويديم حلمها بوطن معافى..الرواية ليست عن (أبطال كبار بمواصفات البطولة المتعارف عليها، وليس فيها بطولة لغير الروح الإنسانية.. البطولة معقودة لبغداد ذاتها، وشخصيات الرواية تؤثث المكان بأخطائها وخطاياها وأوهامها ونكساتها وخسائرها وأحلامها)..سيدات زحل توثيق لأحداث عصفت بالعراق على مدى عصور من الزمن لكنها لم تكتب بتقريرية ومباشرة، فهي رواية تأملية، بجمال السرد واللغة الشعرية الذي عرفت به الكاتبة في أعمالها، لتجسد شهادة لزمن مختلف.
فـي البدء ..سـيـدات زحـل.. فـصـل فـي سـفــر الــكــارثـــة
نشر في: 24 سبتمبر, 2010: 04:41 م