ترجمة: عادل العامليمثّل أرنيستو مالو، كما يقول غافين أوتول في عرضه هذا، شيئاً ما من قبيل الإيحاء بالنسبة للقارئ باللغة الانكليزية، ظاهراً من لا مكان مثل المقاتل ليهاجم بغتةً القارىء غير المرتاب و هو منصرف إلى عمله. و الهجوم سريع خفيف ، و حاسم، و محسوب، إذ أنه الكاتب الذي قالت عنه المؤلفة الأرجنتينية آنا ماريا شوا بحق : " هذا الرجل يعرف.
إنه يعرف البنادق، يعرف النساء، يعرف الجثث ". و لقد مرّر مالو معرفته بالدنيا التي اكتسبها كعضو في حركة ثوريي فيرزاس أرماداس ( التي امتصتها لاحقاً المونتونيروس) إلى نتاجه الأدبي، صانعاً له سرداً غير حادّ في أسلوب الكاتب المسرحي، وعميقاً مع هذا على نحوٍ بارع. و الاقتصاد يمكن أن يكون فضيلة عظيمة، فهذا الكاتب لا يضيع الوقت في التنقيب و إنما يدفع بقارئه قُدماً على نحوٍ سريع على سطح بوينس أيريس المتَّسم بالعثرات، و المخاطرة، و الخوف تحت هيمنة الرعب العسكري. و بروح الكاتب المسرحي، يقوم مالو برسم خرائط لهذا المشهد المربك من خلال شخصياتٍ ترمز للأرجنتين التي أضاعت طريقها. فهم يبحثون عن سماتهم في بلدٍ لا يمكنه أن يوفر شيئاً منها. و يبرز البحث عن العدالة كموضوعة قوية من هذه الحكاية التي يحقق فيها المراقب المتّسم بالغموض لاسكانو في واحدة من جرائم قتل كثيرة، و هو يتحسس المخلفات المنسية لفرق الإعدام التابعة للزمرة العسكرية كما لو أن البعض فقط من الضحايا يستحقون المناصرة. و من خلال مساعي لاسكانو لدعم القانون في بيئة غير قانونية تحت حكم الدكتاتورية العسكرية، فإنه يُقيم بذكاء مجموعة من التوترات التي تتقصى طبيعة الخير و الشر، بل و عزوهما البسيط أيضاً. فلماذا يكون من المهم جلب قاتل أمام العدالة، في حين أن العدالة نفسها قد أصبحت تبريراً للقتل؟ و كما يقال هنا : في أرجنتين تحكمها الدكتاتورية، ليس هناك بريء.و إذا كانت الطريقة التي يصوغ بها المؤلف حواره الداخلي ــ حيث العبارت المقولة تتداخل بعضها مع البعض الآخر ــ يمكن أن تكون عويصة، فإنها مع هذا تميّز أسلوب مالو جيداً، دافعةً بالحوار الداخلي و حركة الأحداث قُدُماً بمعدل من العُقَد لا نشعر معه أبداً بالارتياح و لدينا فرصة قليلة فقط للرضا عن الذات. و لا بد لنا هنا من مشاهدة ممثلين موضوعين على المسرح بشكلٍ تصميمي و لهم تمثيل يكون مقبولاً على نحوٍ غير مريح، و نادراً ما يتوقفون لأخذ نَفَس.و ليس مالو بأية حال رجل حرب العصابات السابق الأول الذي يتحول إلى كتابة القصة كوسيلة، ربما لإبعاد أشباح الماضي ــ فهناك كما أتذكر آخرون مثل بيبيتيلا في أنغولا، على سبيل المثال ــ لكنه بالتأكيد واحد من الأكثر جدّيةً في هذا المجال. وإذا كانت (إبرة في قش) روايته الأولى، التي نُشرت في عام 2006 و كان عمره 58 عاماً، فهناك إذاً كما هو واضح قدرٌ كبير من النتاج الأدبي ننتظره من هذا الكاتب.عـن/ Latin American Review
"إبرة في قش" لأرنيستو مالو..والتحول من حرب العصابات إلى كتابة القصة
نشر في: 25 سبتمبر, 2010: 04:42 م