الثروة الطارئة دون كد وجهد ومكابدة، تغري الطفيليين والكسالى والمدعين وقد تلقي بأربابها إلى التهلكة... والمناصب العليا تغوي الطامعين والطامحين والمتكالبين وقد تصيبهم بشبهة او بمقتل، ولا عاصم من الشهوات الدنيا والإغواء والإغراء إلا ردع الضمائر الحية وشمم النفوس الأبية.
من يرفض منصب رئيس الوزراء؟؟!
لو خصصنا جائزة نقدية ضخمة لتسمية شخص كفوء كعالم،نزيه كزاهد، متعفف كنبي،مستقيم كشعاع، يتولى منصب رئاسة الوزارة،فيعتذر. ونعاود العرض، فيعتذر، لما وجدنا لهذا الشخص من أثر في هذا الزمن العصيب.
فهل ولى -- إلى غير رجعة -- ذاك الزمن الذي يتعفف فيه شخص مشهود له بالوطنية والإستقامة ويعتذر عن قبول المنصب بما يدره من مكاسب وإمتيازات ونفوذ مما لا يخطر على بال؟
حين تفاقم الغضب الشعبي إثر توقيع معاهدة (بورتيسموث)، وأطيح بوزارة صالح جبر (كانون الثاني عام 1948)إتجهت الأنظار للبحث عن شخصية وطنية نزيهة ومحايد ة تتولى منصب رئاسة الوزراء، ووقع إختيار المهيمنين على الساحة السياسية _ الوصي على العرش ورجال البلاط الملكي، والأحزاب القائمة --،على السيد محمد الصدر (رئيس مجلس الأعيان آنذاك) لكن السيد إعتذر، وكان الغليان الشعبي في ذروته، فكلف الوصي السيد عبد العزيز القصاب لأقناع السيد محمد الصدر للعدول عن الإعتذار، ولكن السيد الصدر أصر على رأيه، فحمل المسوؤليات ليس لعبا، ولآ لهوا، ولا مكسبا أمام فورة تنور مسجر يهدد بإلتهام أخضر البلد ويابسه... فلم يجد الوصي بدا من تكليف ارشد العمري برئاسة الوزارة.إجتمعت الأحزاب الرئيسة (الإستقلال، والأحرار، والوطني الديموقراطي)ونددت بسوء الإختيار،،وأوردت إسم محمد الصدر مرشحا وحيدا،، فوتح السيد محمد الصدر مجددا بأمر التكليف، وأقنع بضرورة تحمله العبء. وإعادة الإستقرار والسكينة لربوع البلاد. وتعهدت الأحزاب الثلاثة بتسهيل المهمة، فوافق السيد الصدر --على مضض-- وشكل وزارته الوحيدة عام 1948.
في أول خطاب له بعد توليه الرئاسة،قال:أعدكم أن أكون جنديا من جنود الحق لخدمة الوطن، لا أحيد عن مبادئي قيد أنملة،وأعدكم أيضا بأنني سأتخلى عن المسؤولية في أول فرصة أعتقد فيها إن الأمة ليست بحاجة لإستمراري بالخدمة.. ولا أريد إلا الإصلاح ما إستطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
في هذا الزمن الرديء، نبحث عبثا، عن شخصية يهفو إليه المنصب متوسلا، سعيا على الرأس، شخص لا يسعى هو نحو المنصب..زحفا على قدم.!!