صلاح نيازي2-2لنتابع القصيدة بيتاً بيتاً. في الأسطر الثلاث الاولى.حولي الهدوء على المدينهْ والدرب وضّاء السكونْ
وضجيج عربات تجللها المشاعلْ rnفي الشطر الأول تناقض بين الهدوء في مساحة صغيرة مرموزأً لها بكلمة :"حول" اي حول المتكلم، وبين:"على" المدينة. في الترجمة الإنكليزية :" كل ماحول المدينة يستكن"، وكأن راوية القصيدة كان يقف في مكان عالٍ يستشرف منه المدينة. الاستكنان هنا يرمز، أكثر ما يرمز إلى توقف الحركة التي تبدأ عادة في أطراف المدينة.أما:"والدرب وضاء السكون"، فلم يكن السكون وضاء لاسيما وأن المدينة مقبلة على ليل. ترجمة هذا الشطر :"الشارع المضاء يصمت" . في هذا الشطر دلالتان تفيدان بعضوية القصيدة، فالصمت تطوير للاستكنان، والإضاءة اليدوية تطوير لقدوم الليل. مع قدوم الليل تنحسر حاسة البصر. المفروض من الآن فصاعداً يوظف الراوية حاسة السمع. البيت الثالث :"وضجيج عرْبات تجللها المشاعلْ". قبل كل شئ فإنّ تسكين الراء في عرْبات لضرورة الوزن، لا تهضم. على أية حال الصورة في ترجمة بدوي لا توحي بأن العربات تبتعد، وهذا هو بيت القصيد، بل كأنما الضجيج ما يزال قائماً، وهو ما يتعارض مع الصمت. كان راوية القصيدة يرمز بابتعاد العربات إلى انفضاض السوق والبيع والشراء. الترجمة الإنكليزية لهذا الشطر :" والعربات المزينة بالمشاعل تقعقع، مبتعدة".ما فات على المترجم العربي هنا هو الدقة التي تميّر بها هيلدرلن في استعمال الحواس . القصيدة ابتدات بحاستي البصر والسمع. ثم تنحسر حاسة البصر بقدوم الليل وبالتالي هيمنة حاسة السمع. تعود حاسة البصر بواسطة المشاعل. أخذت الحاستان تنحسران. بهذه التنقلات المعقدة المذهلة كانت الأفعال التي استعملها هيلدرلين مهمة جدا في تصوير الحركة المبتعدة وفي تدرج النور المنحسر. إلا أن بدوي ترجم الأفعال في الأبيات الثلاثة أعلاه إلى أسماء فأجهز على عامل النموّ في القصيدة.الأبيات 4، 5، 6:rnفيممتْ صوب المنازل تستريحْوالرأس يحسب باتزان ما أصاب من المكاسب والخسائرْوالسوق فارقها النشاط وكلّ زهر أو ثمرْ هذه الأبيات التي تبدو بسيطة، ملغومة برموز فلسفية. مرة أخرى لم يلتفت إليها بدوي ربما لأنه تعامل مع هذا النوع من الشعر بذهنية عربية على انه تراكم لفظاني لا رابط له إلا الوزن الشعري.الترجمة الإنكليزية:"الناس يذهبون إلى بيوتهم بهدوء وهم طافحون بمسرّات النهار".مما يجمل ذكره ان العودة للبيت،(كما في قصيدتين أخريين هما:العودة إلى المنزل وشتوتغارد Stutgard يرمز بها هيلدرلن إلى" بداية فترة جديدة في الحياة... وإلى بداية الأشياء لدى كلّ فرد". إذاكانت العودة بداية فكيف تكون استراحة كما في الترجمة العربية؟الشطر السادس :"والرأس يحسب باتزان ما أصاب من المكاسب والخسائرْ". حذف المترجم هنا صفة الرأس في القصيدة أي الرأس المكترب أو المتفكر Pondering Pensive . أما باتزان فلا معنى لها لأن هؤلا ء الباعة رغم رؤوسهم المكتربة إلا انهم كانوا راضين بما كسبوا.( شبح المسيح والباعة يلوح في خلفية الصورة)،لذا فتعبير باتزان عاطل باطل. الشطر السابع:"والسوق فارقها النشاط وكل زهر أو ثمرْ". لكنْ لماذا حذف المترجم البضائع المصنوعة باليد Hand-made goods ولماذا ترجم الاعناب Grapes بالثمر ولماذا ترجم And بـ أوْ؟الترجمة الأنكليزية لهذا الشطر :"سكنت السوق الناشطة وخلتْ من أعنابها وأزهارها وبضائعها المصنوعة باليد".الأعناب والأرهار والبضائع المصنوعة باليد رموز أساسية في قاموس هيلدرلن. يحرّم تغييرها ، أو حذفها. فالعنب مثلاً "مقدس لدىديونيسوس وهو يتكرر مرا ومرات ، كأعمق رمز للحياة" في شعر هيلدرلن. الأبيات من 7-10 :ومن الحدائق رنت الأوتار بالنغم البعيد ياليت شعري من يكون أهو الحبيب ، أم الغريب يتذكر الماضي وأحباب الشباب". rnبين يدي القارئ الترجمة الإنكليزية للمقارنة. "إلاّ أن موسيقى وترية تطفو برفق من الحدائقعن بعد، قد يكون ثمة عاشق يعزف هناك، أو أنّ إنساناً وحيداً يسترجع ذكرى أصدقاء بعيدين وأيام صباه".في الأبيات أعلاه تنفرد حاسة السمع في رسم الصورة، لأن الظلام انتشر على الموجودات. أضفْ إلى ذلك، أن هيلدرلن هنا يهيّئ القارئ من خلال السمع إلى ربط الماضي بالحاضر، إلى ربط العام بالخاص، إلى ربط النهار بالليل المفعم بالجلال والكشف.يقول بدوي في ترجمته :يا ليت شعري من يكون؟ جعل راوية القصيدة يتساءل عن شخص العازف، وبالجواب التالي :"أهو الحبيب أم الغريب" جعله وكأنه ينتظر حبيباً ولكن ما من انتظار ، كما أن كلمة الغريب غير مو
بــــدوي وتـــرجـــمـــة "خــبـــز وخـــمــــر" لــهـيــلــدرلـــن
نشر في: 26 سبتمبر, 2010: 05:02 م