د. عبد الله المدنيمن الصعب - بطبيعة الحال - الإلمام بالتفاصيل الكاملة لحجم الخسائر التي لحقت بالاقتصادي الباكستاني الكسيح أصلاً، من جراء كارثة الفيضانات المأساوية الأخيرة، فهذه الكارثة التي اجتاحت نحو خمس المساحة الإجمالية للبلاد، وأزالت نحو ستة آلاف قرية من الوجود،
وقتلت أكثر من 1600 شخص وتركت ما بين 14 و16 مليون نسمة مشرداً من دون مأوى أو طعام، وتسببت في تفشي الأمراض المعدية كالكوليرا، لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية المعاصر، بل فاقت في خسائرها وأضرارها موجة المد البحري(تسونامي) التي ضربت سواحل دول المحيط الهندي في عام 2004، وكوارث الزلازل في كشمير في عام 2005، وفي هايتي في يناير/كانون الثاني 2010، وفي نيوزيلندا في سبتمبر/أيلول 2010، لكننا في هذا المقال سنحاول قدر الإمكان تقدير تلك الخسائر من وحي البيانات الرسمية الباكستانية والإحصائيات المتوفرة لدى المنظمات الدولية.rnفي البداية، لا بد من إعطاء فكرة موجزة وسريعة عن الاقتصاد الباكستاني الذي يعد الاقتصاد السابع والعشرين في العالم من حيث القوة الشرائية، والاقتصاد الخامس والأربعين في العالم من حيث قيمته المطلقة بالدولار. وهو لئن كانت الزراعة تمثل فيه عصبا رئيسيا، إلا أنه اقتصاد شبه صناعي بفضل اشتماله على صناعات متنوعة كصناعة المنسوجات والمواد الكيماوية والأغذية المحفوظة والجلود والأثاث والسجاد، ويعد التضخم أحد أكبر التحديات التي تواجهه منذ سنوات طويلة، فقد ارتفعت نسبته إلى 9 بالمئة في عام 2009 بعد أن كان في حدود 7.9 بالمئة في عام 2006.أما في عام 2008 فقد وصل إلى 25 بالمئة كنتيجة لارتفاع أسعار النفط إلى مستويات عالية، ويمثل حجم احتياطات البلاد من العملة الصعبة مشكلة أخرى لهذا الاقتصاد، فتحويلات العمالة الباكستانية المهاجرة من العملة الصعبة لئن حققت للبلاد نمواً في احتياطاتها، فإن الأخيرة ظلت تتآكل بفضل الهوة الكبيرة الفاصلة ما بين قيمتي الصادرات والواردات. إلى ذلك تشكو باكستان عجزاً مزمناً في موازناتها العامة بسبب الخلل والفساد في أنظمتها الضريبية، ناهيك عن الأعباء الفجائية التي تـلقى على كاهل الميزانية بسبب الزلازل والكوارث وما تتطلبه من جهود إغاثية.ومن المهم في هذا السياق أن نشير إلى أن البلاد قد حققت بعض التقدم خلال العقد الماضي، وتحديداً في ظل حكومة الرئيس السابق الجنرال برويز مشرف، التي اتفقت مع صندوق النقد الدولي على حزمة من الإجراءات لكفالة الاقتصاد الباكستاني من أجل النهوض به وعلاجه، حيث شجعت تلك الاتفاقية المستثمرين الأجانب على القدوم إلى باكستان رغم مخاطرها الأمنية، ومهدت الطريق أمام المنتجات الباكستانية للتواجد الدائم في الأسواق العالمية، وحسنت من أداء القطاع المصرفي، ودفعت ببرامج خصخصة القطاع العام المترهل إلى الأمام، وغير ذلك، ما جعل البلاد تحافظ على معدل نمو تراوح ما بين 6 – 8 بالمئة منذ عام 2008، بل جعل البنك الدولي يضع باكستان ضمن الدول العشر الأولى في العالم النامي لجهة تبني برامج ناجحة للإصلاح الاقتصادي. تقول الأخبار والتحليلات الواردة من باكستان أن الكارثة الطبيعية الأخيرة سوف تتسبب في انخفاض حجم الناتج المحلي الكلي لباكستان للعام المالي المنتهي في 30 يونيو/حزيران المقبل والمقدر بـ 4.5 في المئة إلى أقل من 1.5 بالمئة، طبقاً لما قاله حسين عبد الله هارون المندوب الباكستاني الدائم لدى الأمم المتحدة، كما ستتسبب في إلقاء أعباء إضافية على الخزينة العامة من أجل استصلاح البنية التحتية المدمرة، وخصوصا الطرق والجسور وشبكات الاتصالات ومحطات الكهرباء، ناهيك عن شبكات الري الضرورية لإعادة الحياة إلى القطاع الزراعي (يسهم بنسبة 21 بالمئة في الناتج المحلي الكلي، ويعمل به نحو 45 بالمئة من العمالة الوطنية) وبالتالي تأمين المحاصيل الغذائية، لاسيما أن هذا القطاع وحده لحقت به خسائر جسيمة قدرتها مصادر البنك الدولي بنحو بليون دولار، بل لحق به من الأضرار غير المنظورة ما سوف يؤثر سلبا على طاقته للوفاء بما خـُطط له في برامج الأعوام المقبلة، طبقاً لما قاله "سلمان صديقي" وزير المالية.ومن جانب آخر يـُنتظر أن تكون لكارثة الفيضانات تداعيات خطيرة على الصادرات المستقبلية لباكستان من الأرز والنسيج، وهما مصدران رئيسيان من مصادر الدخل للاقتصاد الباكستاني الكسيح. حيث ذكرت الأخبار أن الفيضانات دمرت أكثر من 700 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بمحاصيل من الأرز والقطن وقصب السكر تساوي قيمتها الإجمالية نحو 250 بليون روبية (3 بلايين دولار أمريكي).وفي هذا السياق أيضاً قال رئيس المنتدى الزراعي الباكستاني "محمد إبراهيم مغول" بأن مياه الفيضانات أتلفت نصف بليون طن من القمح، ودمرت 120 ألف هكتار من الأراضي المزروعة بالأعلاف، وقضت على 100 ألف رأس من الماشية، علما بأن باكستان تعتبر ثالث أكبر البلدان في آسيا لجهة إنتاج القمح (أنتجت في العام الماضي فقط 24 مليون طن، فيما كان حجم الطلب الداخلي 23 مليون طن وحجم المخزون منه 28 مليون طن).وتشكل خسارة باكستان ناتجها من القطن معضلة كبيرة لها كونها تعتمد كثيرا على العملات الصعبة ال
اقتصاد باكستان الكسيح بعد كارثة الفيضانات
نشر في: 26 سبتمبر, 2010: 05:10 م