TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن:حــاشــيــة

العمود الثامن:حــاشــيــة

نشر في: 27 سبتمبر, 2010: 05:52 م

علي حسين تصل أورانيا كابرال في" رواية  "حفلة التيس "  إلى مدينة سانتو عاصمة جمهورية الدومينيكان بعد غياب خمسة وثلاثين عاما لتصفّي حسابها مع ماضيها، أو بالأحرى مع أبيها الوزير السابق  الذي كان أحد مساعدي الرئيس طوال ثلاثين سنة من
 حكمه الاستبدادي لتلك البلاد. وإذا ما عرفنا أن الرواية تتناول  تلك الحادثة  المرعبة من حياتها يوم نبذ الديكتاتور أباها الوزير، فبحث الاخير عن طريقة تعيد الية الحظوة من جديد، ليجدها في نصيحة احد افراد الحاشية وهي أن يقدم ابنته ذات الأربعة عشر عاما (أورانيا) هدية لليلة واحدة للرئيس الذي يبلغ السبعين، ليرضى عنه ويقرّبه ثانية يقول الوزير " ليس من أجل نيل ثقته، وليس لأثبت له بأنني مستعد لأية تضحية من أجله. وإنما ببساطة لأنه ليس هناك ما يرضيني ويسعدني أكثر من جعل الزعيم يُمتع ابنتي ويستمتع بها". اذكر حين  انتهيت من قراءة رواية يوسا هذه  سنة 2002 يومها كان صدام يطبق على رقاب العراقيين، انتابني شعور غريب شعرت أنني انتهيت من معايشتها  لا قراءتها فهي أشبه بالواقع الذي كنا نعيشه  انذاك حيث الدكتاتور منتشر في نسيج الخراب النفسي، والتدمير الذاتي، والموت الأخلاقي، الذي أشاعه في من يعملون معه، وفي تغييب الحد الأدنى من العلاقات الإنسانية حتى بين أفراد حاشيته، وفي تحويل القلب البشري إلى خرقة. يقول أريك فروم عن حاشية ستالين "لقد نجح ستالين باستخدامه لأساليب القهر النفسي والذهني في ان يجعل من الطاقم الحاكم من حوله حفنة من الأشخاص المحبطين عديمي الكرامة، لانه كان ممسكا بمصائرهم " هكذا يختار الطاغية الفاسدين من البشر في نظام حكمه ليكونوا أصدقاء له، فهم عبيد النفاق والتملق  الذين يصفهم ايتان دي لابوسي في  خطاب حول العبودية الطوعية  "انهم لا يتعين عليهم ان يفعلوا ما يأمرهم به، بل عليهم ان يفكروا كما يريدهم هو ان يفكروا، وهو لا يكفيه ان يطيعوه، بل عليهم ان يشددوا انحناءهم أمامه، ان عليهم ان يرصدوا وبكل عناية كلماته وصوته وعينيه واي إيماءة تصدر منه ".ان نيل المكاسب هو  القيمة التي تسود ويعمل على شيوعها وتعميمها اولئك الذين قدموا الولاء فكان بديلا للخبرة والمعرفة وللوطنية، ومع ان هذا الولاء قد يرتدي قناع الحزب الذي يصنعه الحاكم او يستخدمه لتصنيع نفسه، وليس من المستغرب ان يرى الديكتاتور ان القرابة هي الضمان الاول للولاء ولهذا يكون أقرباؤه هم حاشيته وهم اول المستفيدين، تعمل الحاشية على  ايهام الحاكم بانه محبوب من الجماهير وذلك من خلال الحشود المسخرة بفعل الإرهاب المنظم لمظاهرات التأييد. يكتب علي الوردي " الحاكم العادل يدرك بعدله لا بحدسه  فقط ان خراب الحكم يبدا لحظة توسيع دائرة عبيد النفاق " فيما الدكتاتور يدرك ان الشعب جزء من مملكته ودرب يخط عليه تاريخاً من الدم والقسوة والكراهية.  في قصيدة "من خطب الدكتاتور " يرسم محمود درويش صوراً لهذا الكابوس:سأختار شعبي سياجا لمملكتي ورصيفا لدربي سأختاركم وفق دستور قلبي سأمنحكم حق ان تخدموني وان ترفعوا صوري فوق جدرانكم وان تشكروني لاني رضيت بكم امة لي فسيروا لخدمتي امنينينطلق الديكتاتور من مقولة كروميل الشهيرة " تسعة مواطنين من عشرة يكرهونني، ولكن ما أهمية ذلك ان كان العاشر مسلحا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram