نجم الدليميمشكلة عودة الكفاءات العلمية من المشاكل المهمة التي تواجه العراق اليوم، فلابد من دراسة هذه المشكلة من خلال أبعادها العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها ، وكذلك لابد من تحديد المشاكل الرئيسة التي تواجه عودة الكفاءات العلمية العراقية ،
وما هي الحلول والمقترحات الجذرية لهذه المشكلة ، وهذه هي المهمة الرئيسية التي تقف أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية... ونعتقد ان مشكلة "هجرة العقول" لها ثلاثة أبعاد رئيسة مترابطة ومكملة بعضها مع البعض ولا يمكن الفصل بينهما، وتشتمل على البعد العلمي وكما هو معروف ، تسعى البلدان المتقدمة الى استغلال الظروف السياسية والاقتصادية – الاجتماعية ... الصعبة التي تواجه الكوادر العلمية في البلدان النامية ومنها العراق بالعمل على سحب هذه الكوادر عبر أساليب مختلفة لصالحها لما تملكه هذه الكوادر العلمية من مؤهلات وخبرات علمية رصينة وكفوءة وبالتالي تستطيع البلدان المتقدمة من استثمار هذه الكفاءات لصالح تطورها الاقتصادي – الاجتماعي والعلمي، وبنفس الوقت يتم حرمان البلدان النامية ومنها العراق من جهد وخبرة هذه الكوادر العلمية ، أي بمعنى أخر إفراغ البلد النامي من خيرة كوادره العلمية الوطنية. والبعد الثاني يتمثل بالبعد الاقتصادي الذي يكمن في ان " هجرة العقول" العلمية تشكل مكسباً مادياً كبيراً للبلدان المتقدمة ، إذ تحصل هذه البلدان على كوادر علمية جاهزة لم يتم أي أنفاق مالي عليها، وبالتالي يمكن القول انها تشكل ربحاً اقتصادياً كبيراً للدول المتطورة ، وبنفس الوقت تشكل هجرة الكوادر العلمية خسارة علمية ومادية كبيرة على بلدانها لا يمكن تعويضها، وبالمقابل تبقى هذه البلدان النامية متخلفة من الناحية العلمية والاقتصادية بالمقارنة مع البلدان المتطورة. اما البعد الثالث فهو البعد السياسي حيث تشكل النخبة العلمية في اي بلد النواة السياسية والعلمية الرئيسة لما لها من دور ومكانة وتأثير مباشر على الحياة والأحداث السياسية والاقتصادية – الاجتماعية والثقافية ، ويعود سبب هذا الدور لما تملكه هذه الكوادر العلمية من وعي ونضج سياسي ومن معرفة علمية وهذا ما تخشاه بعض الأنظمة في البلدان النامية ومنها البلدان العربية. ان هجرة الكوادر العلمية لم تكن وليدة صدفة، بل احياناً يتم التخطيط لها من قبل الدول المتقدمة من اجل تحقيق اهداف عدة في مقدمتها أهداف علمية واقتصادية وسياسية وثقافية في آن واحد ، وان هذا النهج سوف يؤدي تكريس تبعية هذا البلد او ذاك مع البلدان المتطورة ، وهذا يذكرنا بماقاله احد السياسيين العراقيين في فترة الستينيات من القـــرن الماضي اذ قال" ألف أمي خيرٌ من مثقف هدام"؟!. ان اهم المراحل التي اتسمت بها " هجرة العقول" العراقية تمثلت في ثلاث مراحل، المرحلة الأولى وقد امتدت من عام 1963 حتى عام 1970 و خلال هذه المرحلة القاسية مارست الأنظمة السياسية الحاكمة في العراق مختلف اساليب الاضطهاد والتنكيل والتعذيب والقتل وحتى ممارسة الاسقاط السياسي لخيرة الكفاءات العلمية العراقية وخاصة ذات التوجه الوطني واليساري ، مما أجبر قسماً من هذه الكفاءات والتي سنحت لها الفرصة بمغادرة العراق ولأسباب سياسية بالدرجة الأولى. فيما تمثلت المرحلة الثانية بالفترة الممتدة من اواسط السبعينيات من القرن الماضي حتى عام 2002 حيث تميزت هذه المرحلة باشتداد الصراع السياسي بين الحزب الحاكم من جهة ، وبين الاحزاب السياسية العراقية التي كانت معارضة للنظام الحاكم من جهة اخرى وكانت طبيعة الصراع تحمل طابعاً سياسياً وايديولوجياً ، اي صراع على السلطة وخلال هذه المرحلة العصيبة عانى الشعب العراقي بشكل عام والنخبة العلمية بشكل خاص من مرارات وقهر وعذابات انسانية واقتصادية لامثيل لها في العالم. اما المرحلة الثالثة فقد بدأت من ابريل عام 2003 ولغاية عام 2007، فبعد سقوط النظام الحاكم سادت الفوضى السياسية والأمنية والاقتصادية وخاصة منذ أواسط عام 2004 حتى أواسط عام 2007، حيث اشتد الصراع الطائفي والسياسي في آن واحد حتى وصل الأمر بأن الشعب العراقي على أبواب الحرب الأهلية ، وكانت قوى داخلية وإقليمية وحتى دولية تقف وراء هذه "الفوضى المنظمة" ولكل قوى حساباتها الخاصة بها، مما ترك أثره السلبي على النخبة العلمية العراقية بغض النظر عن انتمائها السياسي او الطائفي ما دفع نسبة غير قليلة من خيرة الأساتذة وخيرة الأطباء والمهندسين والفنانين ... إلى مغادرة العراق بسبب المضايقات والتهديدات والأوضاع الشاذة التي شهدتها البلاد. وبات من الضروري العمل على تشريع قانون خاص بعودة الكفاءات العلمية العراقية من قبل السلطة التشريعية وان يضمن هذا القانون كافة الحقوق الاقتصادية والعلمية وغيرها. كما ان على السفارات العراقية والملحقيات الثقافية في الخارج القيام بجرد كامل للكفاءات العلمية العراقية ولمختلف الاختصاصات واللقاء المباشر بهم وشرح أبعاد القانون لهم، وبنفس الوقت العمل على اعداد قوائم تفصيلية حول هذه النخب ال
صح النوم!!! عودة الكفاءات العلمية... واقع وحلول
نشر في: 28 سبتمبر, 2010: 04:52 م