TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن: لا أحد يسجن فولتير

العمود الثامن: لا أحد يسجن فولتير

نشر في: 28 سبتمبر, 2010: 06:52 م

علي حسينما هي المسافة التي قطعها النظام الجديد في العراق خلال السبع سنوات الماضية ؟ ما هي نسب النمو والتطوّر والتقدم ومستويات الدخل؟ كم هو عدد المستشفيات والمدارس  التي بنيت ؟ مامدى شفافية وفاعلية  نظام الضمان الاجتماعي والصحي والتعليم،؟ وهل هناك احصاء حقيقي لنسبة البطالة وماهي المشاريع التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة لتنمية قدرات هذا البلد النفطي؟ والأهم مامقدار الامن والاستقرار الذي تحقق ؟
تثبت لنا تجارب الشعوب المدى الذي يمكن ان يصل اليه الفعل البشري ، حين تتظافر الجهود والنيات الصادقة في بناء وتطور الاوطان  . أليس مذهلا ومثيرا، ونحن نقلب صفحات التاريخ ان نجد رجلا مثل دنغ شياو بينغ، خليفة ماو، يطلب  مساعدة زعيم دولة في حجم سنغافورة، في نقل تجربته الى الصين ؟ سنفاجأ، ان بنغ كان يذهب بنفسه سرا للقاء لي كوان ليطلب مشورته، ونعرف ، ان التحول الصيني، الذي قد يصبح اهم حدث في التاريخ المعاصر ، كان من عمل رجلين ماركسيين. احدهما زعيم اكبر حزب شيوعي، والثاني  كان ينتمي الى جناح ماركسي متطرف  في جنوب سنغافوره. يقول دنغ " اذا اردت ان تعبر النهر عليك ان تتحسس الأحجار التي في اعماقة كي تتمكن من العبور  بامان".تقوم تجارب الشعوب الناجحة على نكران الذات  والمشاركه الفاعلة  في بناء البلاد وصدق المشاعر الانسانية ، فيما تقوم تجارب الانظمة الاستبدادية على الجروح التي يتركها الحاكم المستبد  في جسد الوطن يرد ايزنهاور على رسالة طالب امريكي يساله عن معنى الزعامة بالقول: " عندما تتالف امريكا من زعيم واحد و150مليون تابع فانها لاتعود امريكا ، الحرب التي خضناها لم يربحها رجل واحد بل ربحها الالوف والملايين من الرجال والنساء ، وفي السلم يقود زمام هذا البلد ملايين من الرجال والنساء ".قبل اثنين واربعين عاما نفى ديغول نفسه الى قرية في الجنوب كي يكون بعيدا عن مجرى الاحداث التي عصفت بالبلاد عام   1968 ، فقبلها حاول حل الأزمة باقتراح إصلاحات داعيا الشعب الفرنسي إلى استفتاء عليها  مؤكدا انه سيستقيل من منصبه إذا لم يوافق الشعب على تلك الإصلاحات. وقد جرى ذلك الاستفتاء ، وكانت نتيجته سقوط الاقتراحات ، ووفى ديغول بوعده فاستقال في اليوم التالي ،لتبقى منزلته في عقول الآخرين، منزلة الوفاء للسياسي  والاخلاقي و العسكري الذي لم يطلق رصاصة واحدة في وجه معارضيه. كم بدا غريبا ان نقرا عن  رجل ظل  يقدس حياة العائلة، يكتب من منفاه الاختياري  الرسائل الى احفاده يوصيهم     "لاشيء اهم من فرنسا مستقرة "، هناك لا يملك اكثر من ثمن منديل يهديه الى زوجته  ، حيث يزوره طبيب القرية ويمازح الفلاحين حول محاصيلهم ، ويجلس  ليكتب، اهم ما خطه سياسي في التاريخ، مذكراته التي اسماها " مذكرات الامل " الامل بفرنسا اكثر تطورا وازدهارا وعافية  – برغم جحودها مع الرجل العجوز . كان  ديغول محاطاً بالكاتبين  أندريه  مالرو وفرنسوا مورياك. ولكن في الخارج كان كاتبا اخر يكيل النقد لسيد الاليزيه ، فما انفك سارتر يحارب ديغول ويسخر منه، مواجهة حادة بين  عبقرية الفكر و عبقرية السياسة، كان فيها ديغول يحترم سارتر وحين أصبح الأخير رمزا يلهب مشاعر  الطلبة ويقود اعنف التظاهرات  وحين  امتلأت صحف فرنسا  بصور سارتر يوزع المنشورات ضد نظام الحكم ، طالب عدد من القادة  الأمنيين والوزراء بسجنه رد عليهم ديغول  بعبارته الشهيرة  "لا أحد يسجن فولتير، هل يمكن ان نضع فرنسا في السجن " كلمات تدل على عظمة السياسي ديغول قبل المفكر سارتر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

جلسة "القوانين الجدلية" تحت مطرقة الاتحادية.. نواب "غاضبون": لم يكن هناك تصويت!

القانونية النيابية تكشف عن الفئات غير مشمولة بتعديل قانون العفو العام

نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي

إنهاء تكليف رئيس هيئة الكمارك (وثيقة)

الخنجر: سنعيد نازحي جرف الصخر والعوجة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram