إحسان شمران الياسري كان أحد الأطباء يتحدث في فضائية وثائقية عن دوره في درء مخاطر الإشعاعات على صحة الإنسان.. وكان يتحدث بمهنية راقية.. وإذ مرّ مرورا (ضروريا) على السياسة وشؤون الساسة، استدرك، كأنه يعتذر عن فعلٍ مُخزٍ (أنا بالطبع طبيب، ولا تعنيني السياسة ولا يعنيني الساسة..
كل ما يعنيني هو آثار أفعالهم على صحة الناس ومستقبل هذا الجيل والأجيال الآتية).. وردد أكثر من مرة (أنا طبيب..).. وخلال عقد التسعينيات كما اذكر، تعرضت سيدة عراقية (في الطائرة) إلى وعكة صحية (حالة ولادة)، فنهض من بين الركاب طبيبا" وقدم المساعدة الطبية الضرورية.. وكان هذا الطبيب هو وزير عراقي تصّرف كطبيب وليس وزيرا.وعندما أسمع أو أرى أو أشارك في قضية لها علاقة بالنفقات أو الموارد أو التوثيق أو التقييم أو التسجيل أو الترحيل.. الخ.. أتصرف كمحاسب تشغله العلاقة بين الأرقام والمعطيات ومقابلة النفقة بالإيراد وأهمية كل بند إلى بند آخر، أو البنود الأخرى، واربط النسبية بقية الأشياء.. وأنسى من أكون وبأي موقع أعمل ولأي مؤسسة أنتمي.فالمحاسبة علمٌ وفنٌ كما يقولون.. علمٌ لأننا بواسطتها نضبط حياتنا وأعمالنا وثرواتنا وحقوقنا والتزاماتنا ومستقبلنا، ونحدد مسؤولياتنا وصلاحياتنا.. ولا ننسى من خلالها صغيرة أو كبيرة إلا ندونّها ونؤثرّ فيها ونؤثرها.. ومن ثم، فهي لا تسمح لنا القول (نسيت) أو (لا أدري) أو (اتركها للغد).. والفلس الذي يمرّ بالمؤسسة (دخولا" أو خروجا") يظهر في السجلات والقيود ونتيجة النشاط والمركز المالي، وتفرزه المحاسبة في نهاية الفترة، عبر سجلاتها، ربحا" أو خسارة، إن كان هناك معنى لهذه النتيجة. والمحاسبة فنُ، لأننا عندما نقيس الأشياء، نستطيع ذلك بأساليب مختلفة شرط ألاّ نخرج عن المبادئ الأساسية للمحاسبة.. وعندما نعرض التقارير أو نتيجة النشاط أو المركز المالي، نستطيع أيضا" بصيغ مختلفة وبما لا يتعارض مع تلك المبادئ. لذا يقولون إن المحاسبة هي فن القياس والعرض والمقدرة على الإفصاح..ومثلما تستطيع المحاسبة مساعدة مستخدمي التقارير التي تنتجها، وتسهّل عليهم اتخاذ القرارات الرشيدة، فإن المحاسبين يستطيعون تضليل أو توريط أولائك المستخدمين تقاريرهم عندما لا يجيدون مهنتهم أو عندما يتعمّدون فعل ذلك. وأنا أزعم إن المسؤول عن إدارة وحدة اقتصادية أو وزارة أو جامعة أو مدرسة أو جمهورية، لن يفلح بعمله، ما لم يكن مستشاره الأول محاسبا" محترفا".. لأن ما أهدرناه من الوقت والجهد والمال ليس إلا نتاج الإهمال المتعمّد أو غير المتعمّد للمحاسبة والمحاسبين. rnihsanshamran@yahoo.com
على هامش الصراحة:أنا محاسب
نشر في: 29 سبتمبر, 2010: 05:40 م