TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > غياب النزعة الإنسانية العقلانية بين أركون والتوحيدي

غياب النزعة الإنسانية العقلانية بين أركون والتوحيدي

نشر في: 1 أكتوبر, 2010: 04:52 م

عبد الكريم يحيى الزيباريإذا غابَ المُفَكِّر في مجتمعٍ ما، يظهرُ الصَّنَمْ، وإذا غابت الأنسنة في مجتمعٍ ما، ابتعدوا عن العقلانية، وصار تفكيرهم أسطورياً، فيرون في الكوارث التي تحيط بهم مؤامرات من صنعِ آلهة الأولمب، أو بشرٍ لديهم قدرات خارقة، وبذلك يظلون يبتعدون عن الحقيقة، وأنَّ لهم يداً في كلِّ ما يحدث لهم، وأنَّهم بسلوكهم وتفكيرهم الأسطوري يجلبون الخراب إلى ديارهم،
 وقد قال أفلاطون في محاوراته قبل أكثر من ألفي عام وقال في محاوراته (على الرغم مما كنت أشعر به منذ صباي من حب واحترام لهوميروس، غير أنَّ من الواجب ألا نحترم إنساناً أكثر مما نحترم الحقيقة) فردريك كوبلستون-تاريخ الفلسفة-المشروع القومي للترجمة-2002-القاهرة-ص348. ونحنُ ما زلنا نعبدُ الطواغيت، ونقدِّسُهم، ولا نقبلُ الحقائق التي تطعنُ في نواياهم ونزاهتهم، وهنا تغيب نزعة الأنسنة ومعها العقلانية. ابتدأ محمد أركون مقدمة الطبعة العربية لكتابهِ (نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي) والذي كان في أصْلِهِ أطروحة دكتوراه تَقَدَّم بها إلى السوربون عام 1968 بعبارة أبي حيَّان التوحيدي(إنَّ الإنسانَ أشْكَلَ عليهِ الإنسان)وهي صياغة أركونية لمفهوم توحيدي ربما، توصَّل إليه بعدما حاز نظرةً عامة وشاملة لمفهوم الإنسان عند التوحيدي، الذي اشتغلَ كثيراً على الإنسان، ولكنِّي لم أعثر لهذه الجملة التي اقتبسها أركون بعين الصياغة ذاتها في إمتاع التوحيدي ومقابساته، كما أنَّ أركون ومترجمَه هاشم صالح، لم يشيرا إلى مصدر العبارة التوحيدية المُقْتَبَسة. وهي عبارة جدلية، فإذا كان الإنسانُ قد أشْكَلَتْ عليهِ نفسهُ هو، فكيفَ لا تُشْكِلُ عليه بقية الأشياء والمفاهيم؟ وإذا كان الإنسان، غير قادرٍ على نفسهِ، غير فاهمٍ لجوهرها وتقلباتها، فكيف سيفهمُ بقية الأشياء؟ وبلغ عمر بن عبد العزيز أنَّ ابنه اشترى خاتَمَاً بألف درهم فكتب إليه: إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّكَ اشتريتَ خاتَمَاً بألف درهم، فَبِعْهُ وأطعم منه ألف جائع، واشترِ خَاتَمَاً من حديد بدرهم، واكتب عليه " رَحِمَ اللهُ امرأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ ". وفي مأثور الكلام(مَنْ عرفَ نفسهُ عرَفَ رَبَّهُ) و(لا يهلكُ من عَرَفَ نَفْسَهُ) وفي التراث الصوفي يكثر استخدام لقب " العارف بالله"، ومنذ أنْ اقتبس سقراط شعار معبد دلفي في أثينا، ظلَّ يردِّدُهُ إلى أنْ مات(اعرف نفسك). يقول التوحيدي(وليست النفس تابعة للإنسان، لأن الإنسان بالنفس إنسان، وليست النفس نفساً بالإنسان، فإذا طربت النفس- أعني حَنَّتْ ولحظت الروح الذي لها- تحركت وخفت فارتاحت واهتزت. ولهذا يطرح الإنسان ثوبه عنه، وربما مزقه كأنه يريد أن ينسل من إهابه الذي لصق به، أو يفلت من حصاره الذي حبس فيه، ويهرول إلى حبيبه الذي قد تجلى له وبرز إليه. إلا أن هذا المعنى على هذا التنضيد إنما هو للفلاسفة الذين لهم عناية بالنفس والإنسان وأحوالهما. وأما غيرهم فطربهم شبيهٌ بما يعتري الطير وغيرها، وانصرفت). الإمتاع والمؤانسة- الليلة الرابعة عشرة- ج1- ص188. والتوحيدي إذ يشير إلى ما يعتري الطَّيْرَ، يقصد أحلام العصافير، إحدى نتائج الأساطير، (وَلَمْ يَكُنْ مَا بَلَوْنَا مِنْ مَوَاعِدِهَا/ إِلاَّ التَّهَاتِهَ والأُمنيةَ السَّقَمَا)، أيَّام الحصار الاقتصادي، كان العراقيون يحلمون برئيس أمريكي جديد، يرفعُ عنهم الحصار، ويفرحون ويحتفلون بفشل السابق، ويسطرون المقالات شَمَاتةً، في مدحِ الرئيس الفائز، وذمِّ السابق، حتى إذا انكشفَتْ لهم الحقائق بكوا عقلانية السَّابق، ووحشيته، لمَّا رأوه من طيش ولا إنسانية اللاحق، وكما قال الشاعر(ماتَ في القريةِ كلبٌ/ قلنا ارتحنا من عواه/ خَلَّف الملعون جرواً/ فاقَ في النَّبْحِ أباهُ)، وهل يملك الإنسانُ نفسهُ، أمْ هي التي تملكهُ؟ يقول التوحيدي(لأن الإنسان لا يملك ما هو به وفيه، وإنما يملك ما هو له وإليه) أبو حيَّان التوحيدي- الليلة السادسة عشرة- ج1- ص197.وإذا كان أركون يتغنَّى بالنزعة الإنسانية التي امتلأت بها الكتب في القرن الرابع الهجري، فإنَّه يَنعاها (اختفى مفهوم النزعة الإنسانية من السَّاحة تدريجياً، بعد ضمور الفكر العربي الإسلامي وتقلُّص آفاقهِ وجمود شرايينه وأوردتهِ.. أقصدُ أنَّ الموقف العقلي الذي كان يدعمها أو يُغذِّيها قد اختفى هو الآخر أيضاً، فازدهار النزعة الإنسانية مرتبطٌ بازدهار النزعة العقلانية)محمد أركون- نزعة الأنسنة في الفكر العربي- ترجمة هاشم صالح- دار الساقي- 1997- بيروت- ص14.فالمجتمعات العربية والإسلامية، قد عادت إلى الفكر الأسطوري، الذي يؤمن بتعدد الآلهة، فإذا نزلت بهم مصيبة، كأزمة وقود مثلاً، التفتوا يمنة وِشمالاً، وسأل أحدهم الآخر: مَنْ فَعَلَ هذا بِنَا؟ ويبدأون بالتخطيط للانتقام، وما ينتقمون إلا من أنفسهم، وعدوهم يضحك من جهلهم وهو يردد قول شاعرهم المتنبي(ساداتُ كلّ أُنَاسٍ مِنْ نُفُوسِهِمِ/ وَسادَةُ المُسلِمينَ الأعْبُدُ القَزَمُ/ أ غَايَةُ الدّينِ أنْ تُحْفُوا شَوَارِبَكم؟/ يا أُمّةً ضَحكَتْ مِن جَهلِها الأُمَمُ)، وبدلاً من التفكير في بناء مَصَافٍ جديدة، أو إيقاف استيراد السيارات، أو توفير الكهرباء، أو غير ذلك، يقتلُ بعضهم بعضاً، ويتهم بعضهم بعضاً، في مزايدات وطنية رخيصة، من أجل كسب أصوات جديدة، وينتقلُ الحو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram