إحسان شمران الياسري الفسحة التي استولى عليها التلفزيون في حياتنا كبيرة لأسباب عديدة بعضها له علاقة بالكهرباء.. إذ تضطر للجلوس مع عائلتك في مكان واحد للانتفاع بالمبردة الوحيدة والتلفزيون الوحيد والمروحة الوحيدة.. أما عندما تأتي الكهرباء الوطنية،
فيسهل الانتقال إلى مكان آخر في البيت لتشغيل مكيف الهواء، وتشغيل التلفزيون الآخر على القنوات التي تحبها.. خصوصا" أفلام كارتون (توم وجيري) و(الجزيرة الوثائقية) وقناة العراقية (في مواعيد الأخبار واللقاءات الساخنة).. والحال إنك مضطر منذ الثالثة عصرا"، وحتى ينتصف الليل بالإقامة في (الهول) للاستمتاع بالكهرباء (السحب). فبعد استيلاء المسلسلات السورية والتركية وغيرها على الفضائيات (التي تشاهدها عائلتي)، أدركتُ معنى أن يمثّل الشخص أو لا يمثّل.. فبعض الممثلين كانوا (يمثّلون) وهم يقومون بأدوارهم، فيما كان بعضهم (لا يمثّل)، بل يعيش في الدور ويجعلك تعيش معه، وأنت لا تنسى ذلك، إلا عندما يأتي (الفاصل) وتتحول الشاشة للدعاية للبيبسي كولا أو للإرهابيين أو للفنادق السياحية في بحر(مرمره).. ولقد شاهدت، بمصادفات، بعض التمثيليات العراقية، ولم أجد أحداً من الممثلين وهو (لا يمثل)، بل وجدتهم جميعا" (يمثّلون) ويعلو صراخهم وتتقطع أوداجهم وهم يتقمصون الأدوار.. وتذكرت عندها ممثلينا الرواد، خليل شوقي، يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وكيف كنا نعيش معهم الدور وكأننا نجلس بينهم.. وفي السياسة، قد ينقلب الأمر، فأنت تريد السياسي (يمثل)، لأن الذي (لا يمثّل)، فهو ينصب عليك ويدّعي ما ليس منه بشيء.. وصارت لدينا فراسة.. فالذي يمثّل، معذور، لأنه أمام الكاميرا والميكرفون والجمهور فيرتبك، وتظهر خفايا نفسه، فنعرفه إن كان يكذب أو يصدق، يتألم أو يبتهج، يمثّلنا أو لا يمثّلنا.. أما الذي (لا يمثّل)، ويتقن الدور إلى أقصاه، فلا نعرف عنه شيئا" ولا نستطيع التدقيق في ملامحه.. ففي الوقت الذي يتحدث عن النزاهة، ومكافحة الفساد، تقول كل المؤشرات إنه شيء آخر، وحام للفساد والفاسدين، وإذا تحدّث عن مخاطر التدخل الخارجي في شؤون البلاد، كان هو عرّاب الصفقات الرخيصة ومدمن السفر السري.. ومن أجل هذا، أستطيع القول إن قدرتنا في كشف الزيف تطورت كثيراً"، مثلما تطورت حصانتنا من التضليل أو التهويل. rnihsanshamran@yahoo.com
على هامش الصراحة :فـن التمثيـل
نشر في: 1 أكتوبر, 2010: 04:54 م