حازم مبيضين قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة كان حزب العمال البريطاني يعتقد أنه حقق 80 في المئة من أهدافه، لكن الناخبين كانوا يرون غير ذلك، فتوزعت أصواتهم بين الحزبين الرئيسيين بالتساوي، وذهب بعضها إلى حزب الأحرار،
وكانت النتيجة برلماناً معلقاً تعادلت فيه كفة العمال والمحافظين، وكانت المنافسة على من يقدر منهما على استمالة حزب الأحرار الصغير، وقدم المحافظون تنازلات أكثر ففازوا بتشكيل الحكومة الراهنة، بعد سيطرة حزب العمال على الحياة السياسية في بريطانيا لمدة 13 عاماً، ما أحدث هزة عميقة في ذلك الحزب، أسفرت عن تغييرات في زعامته انتهت بانتخاب إد ميليباند زعيماً ورئيساً لحكومة الظل، متفوقاً على شقيقه ديفيد، ومقصياً جوردون براون، واعداً بتغييرات عميقة في بنية حزبه تحضيراً للانتخابات المقبلة مهما ابتعد أوانها.الزعيم الجديد للعمال حاول شطب سنوات بلير وبراون، وانتقد العقلية العتيقة التي قادت العماليين إلى كثير من المزالق، وبدا حريصاً على التخلص من عباءة اليسار التي حاول البعض أن يلبسه إياها، وذهب إلى الإعلان عن موت حزب العمال الجديد، وتسلّم جيل جديد زمام الأمور، ليأخذ على عاتقه تصحيح توجهات الحزب، والعودة إلى سياساته التقليدية ذات التوجهات اليسارية، وعلى اعتبار أن الحزب خسر قاعدته، بعدما ابتعد عن قيمه التقليدية على يد بلير، الذي أحدث انقلاباً في أفكار الحزب حينما تولى قيادته، حيث أخذه من اليسار إلى أفكار الطريق الثالث التي تجمع ما بين اليسار واليمين، أو ما اصطلح على تسميته بمحاولة أنسنة الرأسمالية، عبر تطبيقها مع التوسع فى دور الدولة الاجتماعي من خلال مد وتطوير مظلة الرعاية الصحية والتقاعد وإعانات البطالة، قبل أن ينتهي، وقد أصبح أكثر ميلا الى اليمين المحافظ منه إلى اليسار الذي ينتمي إليه.آخر استطلاعات الرأي تظهر أن العماليين الذين يشغلون اليوم مقاعد المعارضة، يتقدمون على المحافظين للمرة الأولى منذ عام 2007، وعزا البعض ذلك إلى تآكل شعبية المحافظين، وليس صعود نجم الزعيم الجديد للعمال، لأن الناخبين البريطانيين يتعاملون بحذر معه، لكن الواضح أن البريطانيين يعتقدون أن التخفيضات التي أقرتها الحكومة الائتلافية مضت أبعد مما يجب، خصوصاً أن 47% من جميع الناخبين البريطانيين اختاروا كاميرون كأفضل من يتولى منصب رئيس الوزراء من بين قادة الأحزاب السياسية، و30% ميليباند، و10% نك كليغ زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار. نصف ناخبي المحافظين يفضّلون أن يحكم الحزب وحده، بالمقارنة مع حوالي 40% يدعمون ائتلافه مع الديمقراطيين الأحرار، الذين يرتبطون في الذاكرة العربية، بتنظيرهم قبل أكثر من قرن لصدور وعد بلفور، ومهدت سياساتهم لعقد اتفاقيات سايكس - بيكو التي حرمت البلاد العربية من الاستقلال الحقيقي، رغم اعترافهم أن العرب أمة واحدة تتوفّر لها من وحدة تاريخها ودينها، ووحدة لسانها وآمالها، جميع مقوّمات التجمّع والترابط والاتحاد، وتتوفّر في نزعاتها التحرّرية وفي ثرواتها الطبيعية وفي كثرة تناسلها جميع أسباب القوة والتحرّر والنهوض.السؤال المطروح اليوم أين العرب من هذه الانتخابات التي ستفرز حكومة بريطانية جديدة في ظروف نحتاج فيها إلى أصدقاء أقوياء، ونحن نمر بمرحلة البحث عن حلول سلمية تضمن قيام الدولة الفلسطينية، ونحن نتطلع إلى العراق وهو يخطو بثبات نحو الحياة الديمقراطية، والى اليمن والسودان وهما في طريقهما إلى التشظي، والى الصومال وهو يتحول إلى بؤرة ومستودع للإرهاب، ولبنان وهو يواجه خطر تجدد الحرب الأهلية.
خارج الحدود :غياب عربي عن المشهد البريطاني
نشر في: 3 أكتوبر, 2010: 08:48 م