TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في اقتصاديات الثقافة

في اقتصاديات الثقافة

نشر في: 30 نوفمبر, 2012: 08:00 م

فوجئتُ من مكاني في تونس أن تختفي الصحافة في العراق من يوم 25 تشرين الأول الماضي حتى 30 منه بحجّة العيد. وفكرتُ أن عيد الأضحى هو أربعة أيام وليس خمسة، وقع اثنان منها في عطلة نهاية الأسبوع. وحسبتُ أن هذه "البطالة" تستجيب لمزاجٍ شعبيّ عام يفضّل الكسل على العمل، وعند "المثقفين" تصير دليلاً على انخراطٍ سعيد في التقاليد والأعراف الاجتماعية والعائلية والمائديّة، وليس المواظبة كما يُؤْمَل منهم.

وفهمتُ جيداً أن الصحف مرتبطة بشكل وثيق بالمطابع والموزّعين غير الحكوميين، وأن الأمر يتعلق بالنهاية بتحكُّم من يسيطر على بورصة الصحف ويفرض مواقفه كأمرٍ واقع، وهم ليسوا سوى من التجّار الذين لا تعنيهم أهداف الصحافة بشيء، ولا اهتمامات القراء.

إننا نقاد هنا بالضرورة إلى تأمل العطل الرسمية والدينية في البلد، وكلها تنطوي على مشكلات تُصيب بمقتلٍ ما يمكن أن نسميه باقتصاديات الثقافة.

نعرف أن الدستور العراقي يحدّد العطل الرسمية بحدود (12) عطلة رسمية. وفي حال تقسيمها على مستوى دخل الفرد في اليوم، تبيّن بأن البلد يتكبّد خسائر مادية، تتراوح نسبتها من 8 إلى 10 مليارات دينار عراقيّ في اليوم الواحد. وقد سبق وأن أشير في البرلمان نفسه إلى أن عطلة أحد أعياد الفطر السابقة التي بلغت عشرة أيام كلفت البلد خسائر تجاوزت الـ 80 مليار دينار. الموظفون يتقاضون، والحالة هذه، رواتبهم من دون عمل، وهو ما ينطبق على الصحفيين أيضاً الذين تختفي سلعتهم الورقية والمعنوية من السوق.

من أكبر المشاكل التي تضرب اقتصاديات الثقافة في العراق والتي أشير إليها مراراً وتكراراً هي عطل طوائف البلاد الدينية التي تصل إلى ثلث أيام العام. وهذا رقم كبير، وسيزداد تضخّما إذا ما تحققتْ فيه مطالب البعض بإدراج ثلاثة أيام أخرى لأعياد الديانة اليهودية. الأمر يمكن أن يصيب اقتصاداً حكوميّاً لا يستند إلى عائدات النفط، بالشلل، ويثري فحسب فئات خدميّة محدودة تفيد من تقاطر زوّار الأضرحة والأماكن المقدّسة بتقديم "سلعهم" الفندقية والمطبخية وما شابه، وهذه السلع غير إنتاجية.

في مدن أخرى مثل كربلاء تتوقف الدراسة لعدة أيام خلال المناسبات الدينية الشيعية كزيارات عاشوراء والأربعين والنصف من شعبان وعيد الغدير ووفاة النبي محمد والأول من العام الهجري ومقتل الإمام علي وولادات ووفيات الأئمة  الاثني عشر، مضافاً إليها نحو شهر ونصف من العطل الأخرى، لتتجاوز بذلك العطل الرسمية في هذه المدينة العراقية، حسب تقديرات بعض الصحفيين، نحو خمسة أشهر خلال العام. يا للهول.

يدخل في اقتصاديات الثقافة "السياحةُ الدينية" لوافدين من خارج البلاد، وكان من المؤمّل أن تُثْرِي الخزينة العراقية، وهو ما لم يحدث. ففي مقالة للدكتور ميثم لعيبي، يشير إلى أن السياحة (بالدَّيْن) أمر غير مسموع به إلا في العراق، موضحاً أن الواردات من السياحة الإيرانية في الخزانة العراقية وصلت في الفترة الأخيرة إلى الصفر نتيجة أزمة (الديون السياحية)، بسبب تدهور أسعار صرف التومان الإيراني مقابل الدولار، إلى حدود الأربعة أضعاف. وأن ثمة ديون مستحقة بذمّة الجانب الإيرانيّ ترفض الشركات الخاصة والفنادق العراقية معها الالتزام باستقبال زوّار جدد. لكنه يستنتج بأن هناك "فرصة" للعراقيين الذين يرغبون بزيارة إيران، لأن الدولارات نفسها التي كانوا يصرفونها في السابق يمكن أن يتمّ فيها شراء 4 أضعاف كمية التومانات. سوى أن أخي ميثم قد نسي أن ذلك يعني خسارة أخرى للاقتصاد العراقي بخروج دولاراته من دائرة السوق المحلية، واندراجها في دائرة العملة الصعبة الإيرانية.

الاقتصاد العراقي هو الخاسر الأوحد، مع كل ما يستتبع ذلك من خسائر غير مرئية على المدى القصير والمتوسط في حياة المواطنين أنفسهم، عبر تقليص الخدمات والمنافع العامة، ومنها الثقافية دون شك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

صحيفة عبرية: "إسرائيل" وأميركا يخشوّن أنصار الله كونها جهة يصعب التغلب عليها

الأنواء تحذر من رياح عالية في العراق

مقتل إعلامية لبنانية أمام المحكمة

لا حلول لـ"الشح".. العراق يلوح بـ"تدويل" أزمة المياه مع تركيا لزيادة حصصه

اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: محاكم تفتيش نقابة المحاميين

العمود الثامن: كلمات إماراتية واطلالة عراقية

العمود الثامن: السخرية على الطريقة العراقية

العمود الثامن: محبة المسيحيين

التأثير السياسي التركي في سوريا بعد سقوط الأسد: الأهداف والاستراتيجيات

العمود الثامن: في الولاء الوطني

 علي حسين يعتقد العديد من مسؤولينا أن بلاد الرافدين التي يحكمونها الآن كانت تعيش في عصور الجاهلية، وقد قيض الله لها رجالا ليعيدوها إلى طريق الصواب، ولهذا ليس مهما توفير التنمية والازدهار والتعليم...
علي حسين

كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب

 علاء المفرجي 5 -لوليتا رواية للكاتب الأمريكي من أصل روسي فلاديمير نابوكوف، نُشرت في عام 1955 في باريس، فبطل الرواية همبرت همبرت هو أستاذ أدب في منتصف العمر مريض بشهوة المراهقين، يرتبط بعلاقة...
علاء المفرجي

النُّصيريَّة.. مِن سامراء إلى قرداحة

رشيد الخيون تُنشئ السّياسة المذاهب عند اقترانها بالدِّين، لكنْ بتعاقب الزَّمن، تنسحب وتبقى العقيدة الدّينيَّة خالصة، وبين حين وآخر يُستغل المذهب مِن قبل السَّاسة المنتمين إليه، هذا ما حصل مع النُّصيريَّة بسوريّة، فقد نشأت...
رشيد الخيون

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي* (الحلقة 11)التجربة الامريكيةفي قلب النظام التعليمي الامريكي، تكمن فكرة اللامركزية، حيث تتنحى الحكومة الفيدرالية جانبا لتفسح المجال امام الولايات والحكومات المحلية لتولي زمام الامور. هذا يعني ان كل ولاية، بل كل منطقة...
د. محمد الربيعي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram