TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > هواء فـي شبك: (حكاية ديمقراطية)

هواء فـي شبك: (حكاية ديمقراطية)

نشر في: 4 أكتوبر, 2010: 10:07 م

 عبدالله السكوتيهذه حكاية شعبية مجرية، تحكي قصة اليمامة التي استعانت بطائر العقعق لبناء عشها، حيث سألت اليمامة طائر العقعق ان يعلمها فن بناء العش، لانها تعرف ان هذا الطائر هو استاذ ماهر من بين الاساتذة في هذه المهنة، وانه يستطيع بناءه بحيث لا يستطيع طائر الباز دخوله.
قبل الطائر برحابة صدر تدريب اليمامة على هذا الفن، وخلال بناء العش كان في كل مرة يأتي بغصن ويضعه فوق الآخر، ويقول: اربطي هذا، وضعي هذا الغصن على ذاك، وضعي ذاك على هذا، وكانت اليمامة في كل مرة يوجهها تقول: اعرف كلّ شيء، اعرف كلّ شيء، وكان طائر العقعق يصغي اليها من وقت الى آخر، غير انه استشاط غضبا في نهاية المطاف فقال:مادمت تعرفين ذلك جيدا، اصنعي العش بنفسك، ثم تركها مع العش الذي لم يكتمل، ومنذ ذلك الوقت واليمامة لم تتعلم هذه المهنة بصورة جيدة.هذه القضية هي اقرب ما تكون الى قضية الاستاذ والتلميذ، وشتان بين من يتعلم بصفته تلميذا وبين من يريد ان يتعلم وهو يتصور انه عالم بكل شيء، فيبقى يحاول ولم يجد الى ذلك سبيلا.منذ القدم حين صحا الفرد على عزلته، بدأ يبحث عن من يشاركه حياته، ولذا اختار آدم ان يرتبط بحواء ويغادر الجنة، ليعمر الارض، او من جهة اخرى وجد الانسان نفسه منعزلا على الارض فبحث عن نصفه الاخر وابتدأ يضع الطين فوق الطين، ليقي نفسه وزوجته واطفاله قساوة الطبيعة، وليخلد الى الراحة تحت سقف يقيه الشرور الخارجية، ونزع بعدها الى العيش تحت حماية الجماعة، وغادر انفراده فاصبح آمنا، ثم بحث حوله فرأى التقلبات الجوية والظواهر الغريبة، والتهديدات المستمرة من لدن الطبيعة، فقرر ان يسبر غورها بالغيبيات، وطفق يبحث عن قوة غير متناهية يلتجىء اليها عند حدوث الكوارث، وهو في هذا يكتشف الامور الغريبة، فيجد حلولا سريعة لا يلبث ان يتخذها منهجا في استمرار حياته ونوعه، حتى وضع القوانين لحماية الضعفاء وابتكر نظام رئيس الجماعة، ليتخلص من مراكز القوى المتعددة، ومن ثم اكتشف نظام الدولة وبدأ يؤسس مؤسساته الاولى. كانت هذه الاستمرارية تتعرض بين فترة واخرى الى الاهتزاز، بوجود المتسلطين الذين يحاولون سرقة هذا المجهود الكبير ليؤسسوا على انقاضه ديكتاتوريات صبغت وجه التاريخ بالدماء نتيجة للارتجال والاعتماد على الذات فقط في اصدار القرارات ومحاربة الخصوم، فانهارت حضارات وعاد ابناؤها بدائيين الى درجة الانعزال والعزلة، وحتى الديمقراطية التي يحاول الانسان التمسك بها الى ابعد الحدود كانت تتعرض الى المصادرة، في شعوب متطورة، وكان ان عادت هذه الشعوب ادراجها الى الخلف تحت وطأة الامجاد الشخصية، والخلود الذي ينشده الاباطرة من امثال كلكامش الذي ذهب ليبحث عن نبات لا وجود له الا في ذهنه المتمسك بالسلطة والحكم.على هذا الاساس ورغم اضطراب حركة التاريخ بين الدكتاتورية والديمقراطية ستتعلم اليمامة نتيجة حاجتها بناء عشها، بمعونة العقعق ام بدونه، فهي سائرة في طريق الالفة والحب وهي بحاجة ان تضع ابناءها في مكان امين، ولا تثريب عليها ان طلبت المشورة من الآخرين، على ان تتجنب الطيور الكاسرة والمفترسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram